وإن كان ذلك قَتْل نفس بغير حقّ فأن يُمَكِّن من القصاص إن كان عليه،
وكان مطلوبًا به، وإن كان قذفًا يوجب الحدّ، فيبذل ظهره للجَلْد، إن كان
مطلوبًا به، فإن عُفي عنه كفاه الندم، والعزم على ترك العود بالإخلاص،
وكذلك إن عُفي عنه في القتل بمال، فعليه أن يؤديه إن كان واجدًا له، قال الله
تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}
[البقرة: 178]، وإن كان ذلك حدًّا من حدود الله كائنًا ما كان، فإنه إذا تاب إلى الله
تعالى بالندم الصحيح سقط عنه، وقد نصّ الله تعالى على سقوط الحدّ عن
المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم، وفي ذلك دليل على أنَّها لا تسقط عنهم
إذا تابوا بعد القدرة عليهم، وكذلك الشُّرّاب، والسُّرّاق، والزُّنَاة، إذا أصلحوا،
وتابوا، وعُرف ذلك منهم، ثم رُفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدّهم، وإن
رُفعوا إليه، فقالوا: تبنا، لَمْ يُتركوا، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا
غُلبوا، هذا مذهب الشافعيّ.
فإن كان الذَّنْب من مظالم العباد، فلا تصح التوبة منه إلَّا بردّه إلى
صاحبه، والخروج عنه - عينًا كان، أو غيره - إن كان قادرًا عليه، فإن لَمْ يكن
قادرًا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت، وأسرعه.
وإن كان أضرّ بواحد من المسلمين، وذلك الواحد لا يشعر به، أو لا
يدري من أين أُتي؟ ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه،
ويستغفر له، فإذا عفا عنه، فقد سقط الذَّنْب عنه، وإن أرسل من يسأل ذلك له،
فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه، أو لَمْ يعرفه - فذلك صحيح، وإن
أساء رجل إلى رجل بأن فزّعه بغير حقّ، أو غمّه، أو لطمه، أو صَفَعه بغير
حقّ، أو ضربه بسوط، فآلمه، ثم جاءه مستعفيًا نادمًا على ما كان منه، عازمًا
على ألا يعود، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه، فعفا عنه، سقط عنه ذلك
الذَّنْب، وهكذا إن كان شانَهُ بشتم لا حدّ فيه. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?)،
وهو بحث مفيد، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى التوبة النصوح: