قال الحافظ: وهذا من جهة التوبة من الغصب، ومن حق المقتول
واضح، ولكن يمكن أن تصح التوبة من العود إلى الزنا، وإن استمرت الأَمَة
في يده، ومن العود إلى القتل، وإن لَمْ يمكّن من نفسه.
قال: وزاد بعض من أدركناه في شروط التوبة أمورًا أخري، منها: أن
يفارق موضع المعصية، وأن لا يصل في آخر عمره إلى الغرغرة، وأن لا تطلع
الشمس من مغربها، وأن لا يعود إلى ذلك الذَّنْب، فإن عاد إليه بأن أن توبته
باطلة.
قال: والأول مستحب، والثاني، والثالث داخلان في حدّ التكليف،
والرابع الأخير عُزي للقاضي أبي بكر الباقلاني، ويردّه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -،
عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال إبليس: يا رب وعزتك لا أزال أغويهم، ما دامت
أرواحهم في أجسادهم، فقال الله - عَزَّوَجَلَّ -: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم،
ما استغفروني"، حديث صحيح، رواه أحمد، وغيره، وحديث أبي بكر - رضي الله عنه -
مرفوعًا: "ما أصرّ من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة"، رواه أبو داود،
وفيه ضَعف.
وقد قال الحليميّ في تفسير التواب في الأسماء الحسنى: إنه العائد على
عبده بفضل رحمته، كلما رجع لطاعته، وندم على معصيته، فلا يَحبِط عنه ما
قدمه من خير، ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الإحسان.
وقال الخطابيّ: التواب: الذي يعود إلى القبول كلما عاد العبد إلى
الذَّنْب وتاب. انتهى من "الفتح" بتصرّف (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في أقوال أهل العلم في الأشياء التي يُتاب منها،
وكيف التوبة منها:
قال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال العلماء: الذَّنْب الذي تكون منه
التوبة لا يخلو، إما أن يكون حقًّا لله تعالي، أو للآدميين، فإن كان حقًّا لله
تعالي، كترك صلاة، فإن التوبة لا تصحّ منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات
منها، وهكذا إن كان ترك صوم، أو تفريطًا في الزكاة.