"فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال - وفيها - فقلت له: كلّ ما ترى من

الإبل، والبقر، والغنم، والرقيق من أجرك - وفيها - فاستاقه، فلم يترك شيئًا"

فدلت هذه الرواية على أنَّ قوله في الرواية المذكورة: "جمعت بقرًا" أنه لَمْ يُرَدْ

جَمْع البقر فقط، وإنما كان الأكثرَ الأغلبَ، فذلك اقتصر عليه، ووقع في بعض

الروايات أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم، وهو محمول على أنَّها كانت قيمة

الأشياء المذكورة، قال القاري: ولا بِدْعَ أن الدراهم من زوائد الفوائد، منضمة

إليها، فإن البَركة توافي. انتهى (?).

(فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ)؛ أي:

من إطباق الباب، (ففَرَجَ اللهُ مَا بَقِيَ") قال القاري: فإن قلت: رؤية الأعمال

نقصان عند أهل الكمال، فما بال هذه الأحوال؟ .

قلت: فكأنهم توسلوا بما وقع له تعالى معهم من توفيق العمل الصالح

المقرون بالإخلاص على أنَّه ينجيهم من مضيق الهلاك إلى فضاء الخلاص،

فكأنهم قالوا: كما أنعمت علينا بمعروفك أَوَّلًا، فأتمّ علينا فضلك ثانيًا، فإنا لا

نستغني عن كرمك أبدًا. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "رؤية الأعمال نقصان" إن أراد رؤيتها من

حيث إنه يمتنّ بها على الله تعالي، فهذا مسلّم؛ لأنَّ المنّة له - عَزَّوَجَلَّ - لا للعبد،

كما قال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}

الآية [الحجرات: 17]، وإن أراد أن الاعتداد بها، مع

العلم بأنها من فضل الله ومشيئته، ثم تقديمها وسيلة إلى الله - عَزَّوَجَلَّ - نقصان، فهذا

غير صحيح؛ فإن الله تعالى أضاف الأعمال إلى العباد، وأخبر بأنهم يجازيهم

عليها، فقال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)} [الواقعة: 24]، وأخبر أنَّها من خَلْقه،

فقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96]، وَمَا لتَشَأَءُ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

[التكوير: 29]، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015