وفي حديث النعمان بن بشير: "فبذرته على حِدَة، فأضعفَ، ثم بذرته
فأضعف، حتى كثر الطعام - وفيه - فقال: أتظلمني، وتسخر بي"، وفي رواية
له: "ثم مرَّت بي بقر، فاشتريت منها فصيلة، فبلغت ما شاء الله"، والجمع
بينهما ممكن بأن يكون زرع أَوّلًا، ثم اشترى من بعضه بقرة، ثم نُتِجَت. انتهى
من الفتح باختصار (?).
والحديث يدلّ على جواز تصرف الفضولي في مال الغير على وجه
النصيحة، وطريق الأمانة، وإرادة الشفقة، حيث استحسن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك منه، فهو
في حكم التقرير، لا يقال: لعلَّ هذا شَرْع من قبلنا، فإنه قد ورد نظيره في
زمانه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث دفع قيمة كبش لبعض أصحابه، فاشتراه بها، فباعه بضعف
ثمنه، واشترى كبشًا آخر، وأتى به مع قيمته، فدعا له بالبركة، قاله
القاري - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
(فَجَاءَنِي، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي) ظاهر كلامه عنف، لكن
باطنه حقّ ولطف. (قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا) وفي رواية البخاريّ:
"فقلت: اذهب إلى ذلك البقر، وراعيها"، قال الطيبيّ: "ذلك" إشارة إلى البقر
باعتبار السواد المرئيّ، كما يقال: عند ذلك الإنسان، أو الشخص فعل كذا،
قال الذبيانيّ [من البسيط]:
نُبِّئْتُ نُعْمًا عَلَى الْهِجْرَانِ عَاتِبَةً ... سَقْيًا وَرَعْيَا لِذَاكَ الْعَاتِب الرَّازِي
وأنَّث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار جمعيّة الجنس. انتهى (?).
(فَخُذْهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي) من استهزأ بفلان: إذا سخر
منه، ولعله توهم أنه حصل له من كلامه "لا تظلمني" جَزَع مع إيهام قوله:
"اذهب إلى ذلك"، (فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا،
فَأَخَذَهُ)؛ أي: مجموع ما ذكر، وفي رواية: "فأخذها"؛ أي: كلها، (فَذَهَبَ بِهِ)
قال ميرك عند قوله: "حتى جمعت بقرًا وراعيها": وقع في رواية "الصحيح":