ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: فإما أن يعجّل
له دعوته، وإما أن يؤخّرها له في الآخرة، وإما أن يكفّر عنه، أو يكفّ عنه من
السوء مثلها" (?).
قال: وفيه دليل على أنه لا بدّ من الإجابة على إحدى هذه الأوجه
الثلاثة، فعلى هذا يكون تأويل قول الله -عز وجل- -والله أعلم- {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ
إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}، أنه يشاء، وأنه لا مُكرِه له، ويكون قوله -عز وجل-: {أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، على ظاهره، وعمومه، بتأويل حديث أبي سعيد
المذكور، والله أعلم بما أراد بقوله، وبما أراد رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، والدعاء خير
كله، وعبادة، وعمل حسن، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ أنه كان يقول: ما أخاف أن أُحرم
الإجابة، ولكني أخاف أن أُحرم الدعاء.
قال: وهذا عندي على أنه حَمَل آية الإجابة على العموم، والوعد، والله
لا يخلف الميعاد.
وروي عن بعض التابعين أنه كان يقول: الداعي بلا عمل كالرامي بلا
وَتَر.
ورُوي عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يقبل الله دعاء من قلب لاهٍ، فادعوه،
وأنتم موقنون بالإجابة" (?)، وقد علمنا أن ليس كل الناس تجاب دعوته، ولا
في كل وقت تجاب دعوة الفاضل، وأن دعوة المظلوم لا تكاد تُرَدّ. انتهى كلام
ابن عبد البرّ -رحمه الله- (?)، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.