يُسْتَجَبْ لِي") قال ابن بطال -رحمه الله-: المعنى أنه يسأم، فيترك الدعاء، فيكون
كالمانّ بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحقّ به الإجابة، فيصير كالمبخِّل
للربّ الكريم، الذي لا تُعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء.
وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي هريرة الآتي بعد
حديث: "لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، وما لم
يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر
يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء"، ومعنى قوله: "يستحسر"،
وهو بمهملات: ينقطع، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [25/ 6909 و 6910 و 6911] (2735)،
و(البخاريّ) في "الدعوات" (6340) وفي "الأدب المفرد" (654)، و (ما لك)
في "الموطّأ" (1/ 213)، و (أبو داود) في "الصلاة" (1484)، و (الترمذيّ) في
"الدعوات" (3387 و 3608)، و (ابن ماجه) في "الدعاء" (3853)،
و(عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (10/ 441)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 396)،
و(ابن حبّان) في "صحيحه" (975)، و (الطحاويّ) في "مشكل الآثار" (1/ 374
و375)، و (الطبرانيّ) في "الدعاء" (1/ 44 و 45)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 - (منها): الحثّ على الدعاء، والإلحاح على الله تعالى في المسألة،
وأن لا ييأس الداعي من الإجابة، ولا يسأم الرغبة، فإنه يستجاب له، أو يكفّر
عنه من سيئاته، أو يدَّخر له، فإن الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: {ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:
60] فسمى الدعاء عبادة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتَح له، ولا
يملّ الله -عز وجل- من العطاء، حتى يملّ العبد من الدعاء، ومن عَجِل، وتبَرّم، فنفسه
قد ظلم.