قال القرطبيّ: وعلى هذين التقييدين، والتفسيرين، فهو خبرٌ بمعنى الأمر؛
أي: ليسمع سامع، وليبَلّغ، وهذا نحو قوله: "تصدَّق رجل بديناره،
ودرهمه" (?)؛ أي: ليتصدّق، و"جَمَع عليه ثيابه"؛ أي: ليجمع، وقد تقدَّم القول
في نحو هذا.
(وَحُسْنِ بَلَاِئِهِ عَلَيْنَا) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: بمعنى ابتلائه، وقد تقدَّم أن أصل
الابتلاء: الاختبار، وقد يكون نعمة، وقد يكون نقمة. انتهى (?).
وقال القاريّ: البلاء ها هنا بمعنى النعمة، والله - سُبْحَانهُ وَتعالى - يبلو عباده مرةً بالمحن؛
ليصبروا، وطوراً بالنِّعَم؛ ليشكروا، فالمحنة، والمنحة جميعاً بلاء لمواقع
الاختبار، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] (?).
(رَبَّنَا) بحذف حرف النداء؛ أي: يا ربّنا (صَاحِبْنَا) بصيغة الأمر، من
صاحب يُصاحب، أي: بحفظك، وكفايتك، وهدايتك، قاله القرطبيّ، وقال
النوويّ: أي: احفظنا، وحُطنا، واكلأنا. (وَأَفْضِلْ) بصيغة الأمر أيضاً، من
الإفضال؛ أي: مُنّ (عَلَيْنَا) بإدامة جزيل تلك النعمة، ومزيدها، والتوفيق للقيام
بحقوقها، واصرف عنا كل مكروه، وقوله: (عَائِذاً)؛ أي: أقول هذا في حال
استعاذتي، واستجارتي (بِاللهِ) - سُبْحَانهُ وَتعالى - (مِنَ النَّارِ) "؛ أي: من عذابها.
وقال البيضاويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "عائذاً" منصوب على المصدرية؛ أي: أعوذ
عياذاً، أقيمَ اسم الفاعل مقام المصدر، كما في قولهم: قم قائماً، وقول الشاعر:
وَلَا خَارِجاً مِنْ فِيَّ زُورُ كَلَامِ
أو على الحال من الضمير المرفوع في "يقول"، أو "أسحر"، ويكون من
كلام الراوي.
قال الطيبيّ: يريد أن "عائذاً" إذا كان مصدراً كان من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -،
وإذا كان حالاً كان من كلام الراوي، وجوّز النوويّ أن يكون حالاً، ويكون
من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: إني أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي
من النار.