وقال القرطبيّ: "فالق الحبّ والنوى" أي: شاقّ الحبة، فيُخرج منها

سنبلة، والنواة: فيخرج منها نخلة. ومنه القَسَم المشهور عن عليّ - رضي الله عنه -:

"والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة")؛ أي: شقّها.

(وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) من الإنزال، وقيل: من التنزيل. (والإنجيل،

وَالْفُرْقَانِ)؛ أي: الفارق بين الحقّ والباطل، ولعل تَرْك الزبور لأنه مندرج في

التوراة، أو لكونه مواعظ، ليس فيه أحكام.

قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: [فإن قلت]: ما وجه النظم بين هذه القرائن؟ .

[قلت]: وجهه أنه - صلى الله عليه وسلم - لمّا ذكر أنه تعالى "رب السماوات والأرض")؛

أي: مالكهما، ومدبِّر أهلهما، عقّبه بقوله: "فالق الحب والنوى"؛ لينتظم معنى

الخالقية، والمالكية؛ لأن قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ

الْحَيِّ} [الأنعام: 95] تفسير لفالق الحب والنوى، ومعناه: يخرج الحيوان النامي

من النطفة، والحب من النوى، ويخرج الميت من الحي؛ أي: يخرج هذه

الأشياء من الحيوان النامي، ثم عقّب ذلك بقوله: "منزل التوراة"؛ لِيُؤْذِن بأنه

لم يكن إخراج الأشياء من كتم العدم إلى فضاء الوجود، إلا ليُعلَم، وُيعبَد،

ولا يحصل ذلك إلا بكتاب ينزله، ورسول يبعثه، كأنه قيل: يا مالك، يا مدبر،

يا هادي. (أَعُوذُ)؛ أي: أعتصم، وألوذ (بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ

بِنَاصِيَتِهِ)؛ أي: من شر كل شيء من المخلوقات؛ لأنها كلها في سلطانه، وهو

آخذ بنواصيها، وفي رواية: "أعوذ من شر كل ذي شر"، وفي رواية: "من شر

كل دابة أنت آخذ بنواصيها"

(اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ)؛ أي: القديم بلا ابتداء، (فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْء) قيل:

هذا تقرير للمعنى السابق، وذلك أن قوله: "أنت الأول" مفيد للحصر، بقرينة

"أل" في الخبر، فكأنه قيل: أنت مختص بالأولية، فليس قبلك شيء، (وَأَنْتَ

الآخِرُ)؛ أي: أنت الباقي بعد فناء خلقك لا انتهاء لك، ولا انقضاء لوجودك،

(فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ)؛ أي: لا يوجد مخدوق بعدك، (وَأَنْتَ الظَّاهِرُ، فَلَيْسَ فَوْقَكَ

شَيْءٌ)؛ أي: ليس فوق ظهورك شيء؛ يعني: أنه ليس شيء أظهر منك؛ لدلالة

الآيات الباهرة عليك، (وَأَنْتَ الْبَاطِنُ)؛ أي: الذي حجب أبصار الخلائق عن

إدراكك، (فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ)؛ أي: لا يحجبك شيء عن إدراك مخلوقاتك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015