"إني لم أستحلفكم" اتصالَ الاستدراك بالمستدرك، يدلّ عليه قوله: "ولكنه

أتاني جبريل"، وقوله: "وما كان أحد بمنزلتي ... إلخ" اعتراض وقع تأكيدًا

بين الاستدراك والمستدرك، وآذَن به أنه لم ينسه.

[فإن قلت]: ما معنى الاستدراك، وأنه لم يستحلفهم تهمة، دانما استحلفهم

لما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع، وكذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جبريل عليه السلام؟ .

[قلت]: الجملة القسميّة إنما وُضعت لدفع التهمة، ورفع الإنكار البليغ،

فأوجب أن تُضمّن التأكيد البليغ، وربما تُستعمل فيما لا يكون فيه تهمة، ولا

إنكار، بل يجاء بها لمجرّد التأكيد تقريرًا له في النفوس، وتثبيتًا لها، كما تقول

لمن بعثته إلى مهمّ، وقد جاءك: والله لقد جئتني؛ أي: نِعْم ما فعلتَ؛ تحسينًا

له على فعله، وعلى هذا جلّ إقسام الله تعالى، وأكثر إقسام الرسول -صلى الله عليه وسلم-

المؤمنين، وهو من هذا القبيل. انتهى (?).

(مِنْ أَصحَابِهِ) -رضي الله عنهم-، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("مَا أَجْلَسَكُمْ؟ ")، قَالُوا: (جَلَسْنَا

نَذْكُرُ اللهَ) وفي رواية النسائيّ: "جلسنا ندعو الله"، (وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا

لِلِإسْلَام) كما حكى الله تعالي عن قول أهل السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا

وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} الآية [الأعراف: 43]، (وَمَن) فعل ماض، من

المنّ، من باب نصر؛ أي: أنعم (بِهِ)؛ أي: بالإسلام (عَلَيْنَا) من بين الآنام،

وفي رواية النسائيّ: "ومنَّ علينا بك"، والخطاب للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: منّ علينا

ببعثك؛ إذ هو النعمة المسداة، والرحمة المهداة، كما قال عزوجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ

إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]. (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("آللهِ) بهمزة ممدودة، هي

عوض من باء القسم، (مَا أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ ")؟ أي: ما ذكرتم من ذكر الله

تعالى، وحمده على نعمه، (قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: "أَمَا إِنِّي لَمْ

أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ) لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين، (وَلَكِنَّهُ) الضمير

للشأن؛ أي: لكن الحال والشان، (أتانِي جِبْرِيلُ) عليه السلام؛ (فَأَخْبَرَنِي أَن اللهَ عزوجل

يُبَاهِي)؛ أي: يفاخر (بِكُمُ الْمَلَاِئكَةَ")؛ أي: فاردت أن أتحقق بماذا كانت

المباهاة، فللاهتمام بتحقيق ذلك الأمر، والإشعار بتعظيمه استحلفتكم. وقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015