أي: لأن العاقل إذا سمعه لا يَعْدِل إلى ظنّ إيقاع الوعيد، وهو جانب الخوف،
بل إلى ظنّ وقوع الوعد، وهو جانب الرجاء، وهو كما قال المحققون مقيَّد
بالمحتضِر، وفي غيره أقوال، ثالثها الاعتدال. انتهى (?).
وقال ابن أبي جمرة -رَحِمَهُ اللهُ-: المراد بالظنّ هنا: العلم؛ لقوله: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118].
وفي "المفهم": معنى "ظن عبدي بي": ظنُّ الإجابة عند الدعاء، وظنّ
القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل
العبادة بشروطها؛ تمسكاً بصادق وعده (?).
وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "أنا عند ظن عبدي بي" إن ظن بي خيراً فله مقتضى
ظنه، وإن ظن بي شرّاً؛ أي: أني أفعل به شرّاً فله ما ظنَّه، فالمعاملة تدور مع
الظنّ، فذا حسنُ ظنه بربه وَفّى له بما أَمَل وظنّ، والتطيّر سوء الظنّ بالله،
وهروب عن قضائه، فالعقوبة إليه سريعة، والمقت له كائن، ألا ترى إلى
العصابة التي فرَّت من الطاعون، كيف أماتهم؟ .
وقال الحكيم الترمذيّ: الظن: ما تردَّد في الصدر، وإنما يحدث من
الوهم، والظن هاجسة النفس، وللنفس إحساس بالأشياء، فإذا عرض أمر دبّر
لها الحسّ شأن الأمر العارض، فما خرج لها من التدبير، فهو هواجس النفس،
فالمؤمن نور التوحيد في قلبه، فإذا هجست نفسه لعارض أضاء النور، فاستقرت
النفس، فاطمأن القلب، فحَسُن ظنه؛ لأن ذلك النور يُريه من علائم التوحيد،
وشواهده، ما تسكن النفس إليه، وتعلم أن الله كافيه وحَسْبه في كل أموره،
وأنه كريم رحيم عطوف به، فهذا حسن الظن بالله.
وأما إذا غلب شَرَهُ النفس، وشهواتها، فيفور دخان شهواتها، كدخان
الحريق، فيُظلم القلب، وتغلب الظلمة على الضوء، فتحيى النفس بهواجسها،
وأفكارها، وتضطرب، ويتزعزع القلب عن مستقره، وتفقد الطمأنينة، وتَعْمَى
عين الفؤاد؛ لكثرة الظلمة والدخان، فذلك سوء الظن بالله، فإذا أراد الله بعبد
خيراً أعطاه حُسن الظن، بأن يزيده نوراً يقذفه في قلبه؛ ليقشع ظلمة الصدر،