وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الآية

[البقرة: 186]، وهو -سبحانه وتعالى- يغضب إذا تُرك دعاؤه، يدلّ على ذلك خَتْمه الآية

الأُولى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

[غافر: 60]، بخلاف المخلوق، فإنه يغضب إذا سئل، ولقد أحسن من قال،

وأجاد في المقال [من الكامل]:

لَا تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَةً ... وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لَا تُحْجَبُ

اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

2 - (ومنها): وجوب العزم في المسألة، وعدم التردّد فيها، قال ابن

عبد البرّ -رحمه الله-: لا يجوز لأحد أن يقول: اللَّهُمَّ أعطني إن شئت، وغير ذلك من

أمور الدين والدنيا؛ لأنه كلام مستحيل، لا وجه له؛ لأنه لا يفعل إلا ما

شاءه، قال في "الفتح"؛ وظاهره أنه حَمَل النهي على التحريم، وهو الظاهر،

وحَمَل النوويّ النهي في ذلك على كراهة التنزيه، وهو أَولى، ويؤيده ما في

حديث الاستخارة. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: بل الأَولى ما دلّ عليه كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله-

من التحريم؛ لأن النصّ ورد بصيغة النهي، والأمر، وهما للتحريم، والوجوب

ما لم يصرفهما صارف، ولا صارف هنا، ولا دلالة لدعاء الاستخارة على ما

قاله، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم.

3 - (ومنها): ما قاله ابن بطال -رحمه الله-: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن

يجتهد في الدعاء، ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة، فإنه يدعو

كريمًا، وقد قال ابن عيينة: لا يمنعنّ أحدًا الدعاءَ ما يعلم في نفسه؛ يعني: من

التقصير، فإن الله قد أجاب دعاء شرّ خلقه، وهو إبليس حين قال: {رَبِّ

فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)} [الحجر: 36].

وقال الداوديّ: معنى قوله: "ليعزم المسألة": أن يجتهد، ويُلِحّ، ولا

يقل: إن شئت؛ كالمستثنى، ولكن دعاء البائس الفقير.

4 - (ومنها): بيان أن الرب -سبحانه وتعالى- لا يفعل إلا ما يشاء، لا يُكرهه أحد على ما

يختاره، كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده، وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح

عليه، فالرغبة يجب أن تكون إليه، كما قال: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [الشرح: 8]،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015