وأيضًا فإنَّه لا يكون موقنًا بالإجابة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون

بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ" (?).

ثم إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يَكْتَفِ بالنهي عن ذلك، حتى أمَر بنقيضه، فقال:

"ليعزم في الدعاء"؛ أي: ليجزم في طلبه، وليحقق رغبته، ويتيقّن الاجابة، فإنَّه

إذا فعل ذلك دلّ على علمه بعظيم قَدْر ما يطلب من المغفرة والرحمة، وعلى

أنه مفتقر لِمَا يطلب، مضطرّ إليه، وقد وعد الله المضطرّ بالإجابة بقوله: {أَمَّنْ

يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].

وقوله: "فإنَّ الله لا مستكره له": إظهار لعدم فائدة تقييد الاستغفار

والرحمة بالمشيئة؛ لأنَّ الله تعالى لا يضطرّه إلى فعل شيء، دعاءٌ، ولا غيره،

بل يفعل ما يريد، ويحكم ما يشاء، ولذلك قيّد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في

قوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41]، فلا معنى لاشتراط مشيئته

فيما هذا سبيله، فأما اشتراطها في الإيمان فقد تقدَّم القول فيه. انتهى كلام

القرطبي -رحمه الله- (?)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [3/ 6787] (2678)، و (البخاريّ) في "الدعوات"

(6336) و"التوحيد" (7464) وفي "الأدب المفرد" (608)، و (النسائيّ) في

"الكبرى" (6/ 151)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (6/ 21)، و (أحمد) في

"مسنده" (3/ 101)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

1 - (منها): بيان مشروعيّة الدعاء، وطلب الحوائج الدنيويّة، والأخرويّة

من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه تعالى أمَر به، فقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015