شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللهُ -عز وجل-: أَنَا
عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي)؛ أي: أنا قادر على أن أعمل به ما ظنّ أني عامل به.
وقال الكرمانيّ -رحمه الله-: وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على
الخوف (?)، قال الحافظ -رحمه الله-: وكأنه أخذه من جهة التسوية، فإن العاقل إذا
سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد، وهو جانب الخوف؛ لأنه لا يختاره
لنفسه، بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد، وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل
التحقيق: مقيُّد بالمحتضِر، ويؤيد ذلك حديث: "لا يموتنّ أحدكم إلا وهو
يحسن الظنّ بالله"، وهو عند مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه -، وأما قبل ذلك ففي
الأَولى أقوال، ثالثها الاعتدال.
وقال ابن أبي جمرة -رحمه الله-: المراد بالظن هنا: العلم، وهو كقوله: {وَظَنُّوا
أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118] (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: "المفهم": قيل: معنى "ظن عبدي بي": ظن
الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار،
وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسّكًا بصادق وَعْده، وجزيل فضله،
قال: ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة".
قال: وكذلك ينبغي للتائب، والمستغفر، والعامل أن يجتهد في القيام بما عليه
من ذلك موقنًا بأن الله يقبل عمله، ويغفر ذنبه؛ فإن الله تعالى قد وعد بقبول
التوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، وهو لا يُخلف الميعاد، فإن اعتقد، أو
ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من
الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِل إلى ما ظَنّ كما في بعض طرق الحديث
المذكور: "فليظنّ بي عبدي ما شاء" (?)، قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار،
فذلك محض الجهل، والغِرّة، وهو يجرّ إلى مذهب المرجئة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:
"الكيّس من دان نفسه، وعمِل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها،