وتمنّى على الله" (?)، والظنّ تغليب أحد المجوَّزين بسبب يقتضي التغليب، فلو
خلا عن السبب المغلِّب لم يكن ظنًّا، بل غِرّةً وتمنّيًا. انتهى (?).
(وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي) قال القرطبيّ -رحمه الله-: أصل الذكر: التنبه بالقلب
للمذكور، والتيقظ له، ومنه قوله: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40]؛
أي: تذكّروها، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلّها إذا ذكرها"
متّفقٌ عليه؛ أي: إذا تذكّرها بقلبه، وهو في القرآن كثير، وسمّي القول باللسان
ذكرًا؛ لأنَّه دلالة على الذكر القلبيّ، غير أنه قد كَثُر اسم الذكر على القول
اللسانيّ حتى صار هو السابق للفهم، وأصلُ "مَعَ": الحضور، والمشاهدة، كما
قال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، وكما قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ
مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] أي: مطّلع عليكم، ومحيط بكم، وقد ينجرّ مع ذلك
الحفظ والنصر، كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}؛ أي:
أحفظكما ممن يريد كيدكما.
وإذا تقرر هذا، فيمكن أن يكون معنى: "وأنا معه إذا ذكرني": أن من
ذَكر الله تعالى في نفسه مفرّغةً مما سواه، رفع الله عن قلبه الغفلات، والموانع،
وصار كأنه يرى الله تعالى، ويشاهده، وهي الحالة العليا التي هي: أن تذكر الله
كأنك تراه، فإن لم تصل إلى هذه الحالة، فلا أقلّ من أن يذكره، وهو عالم
بأن الله يسمعه، ويراه، ومن كان هكذا كان الله له أنيسًا إذا ناجاه، ومجيبًا إذا
دعاه، وحافظًا له من كل ما يتوقّعه ويخشاه، ورفيقًا به يوم يتوفاه، ومُحِلًّا له
من الفردوس أعلاه. انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "وأنا معه إذا ذكرني"؛ أي: بعلمي، وهو
كقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] والمعية المذكورة أخصّ من
المعية التي في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} - إلى
قوله-: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُو} [المجادلة: 7].
وقال ابن أبي جمرة: معناه: فأنا معه حَسَب ما قصد من ذِكره لي، قال: