التابع، وبضم أجر التابع إلى أجر الداعي، وضمير الجمع في "أجورهم" راجع
إلى "مَنْ " باعتبار المعنى.
وإنما استَحَقَّ الداعي إلى الهدى ذلك الأجر؛ لكون الدعاء إلى الهدى
خَصْلة من خصال الأنبياء -رضي الله عنه- (?).
(وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ)؛ أي: من أرشد غيره إلى فعل إثم، وإن قلّ، أو
أمَره به، أو أعانه عليه، (كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ) لتولّده عن فعله
الذي هو من خصال الشيطان، والعبد يستحق العقوبة على السبب، وما تولّد
منه، كما يعاقب السكران على جنايته حال سُكره؛ لِمَنْع السبب، فلم يُعذَر
السكران، فإن الله يعاقب على الأسباب المحرّمة، وما تولّد منها، كما يثيب
على الأسباب المأمور بها، وما تولّد منها، ولذا كان على قابيل القاتل لأخيه
كِفْل من ذَنْب كل قاتل؛ لأنه أول من سنّ القتل، كما في الحديث (?). (لَا
يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا") قال القاضي البيضاويّ: أفعال العباد، وإن لم
تكن موجبة للثواب والعقاب، إلا أن عادة الله -سبحانة وتعالي- جرت بربطها بها ارتباطَ
المسبَّبات بالأسباب، وفِعل العبد ما له تأثير في صدوره بوجه، فكما يترتب
الثواب والعقاب على ما يباشره يترتب أيضًا على ما هو مسبَّب عن فعله،
كالإشارة إليه، والحثّ عليه، وَلَمّا كانت الجهة التي استوجب بها المتسبّب
الأجر غير الجهة التي استوجب بها المباشِر، لم ينقص أجره من أجره شيئًا.
انتهى.
قال القاري: وبهذا يُعلم أن للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- من مضاعفة الثواب بحَسَب
تضاعُف أعمال أمته مما لا يُعَدّ، ولا يُحَدّ، وكذا السابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار، وكذا بقية السلف بالنسبة إلى الخلف، وكذا العلماء
المجتهدون بالنسبة إلى أتباعهم، وبه يُعرف فضل المتقذمين على المتأخرين في
كل طبقة وحين.
[تنبيه]: قال ابن حجر: لو تاب الداعي للإثم، وبقي العمل به، فهل