[فإن قلت]: تقدّم في نزول عيسى؛ في "كتاب الأنبياء" أنه يَفيض المال
حتى لا يقبله أحد، وفي "كتاب الزكاة": "لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم
بصدقته، لا يجد من يقبلها".
[قلت]: كلاهما من أشراط الساعة، لكن كل منهما في زمان غير زمان
الآخر. انتهى (?).
(وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ") ببناء الفعل للفاعل، (قَالُوا)؛ أي: الصحابة الحاضرون في
ذلك المجلس، ولم يسمَّ أحد منهم، (وَمَا الْهَرْجُ؟ ) وفي رواية البخاريّ: "قالوا:
يا رسول الله أَيُّما هو؟ " بفتح الهمزة، وتشديد الياء الأخيرة، بعدها ميم خفيفة،
وأصله؛ أي: شيء هو؟ قال في "الفتح": ووقعت للأكثر بغير ألف بعد الميم،
وضَبَطه بعضهم بتخفيف الياء، كما قالوا: أَيْشٍ في موضع: أيّ شيء، وفي رواية
الإسماعيليّ: "وما هو؟ "، وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة: "قالوا: يا
رسول الله، وما الهرج؟ " وهذه رواية أكثر أصحاب الزهريّ، وفي رواية عنبسة بن
خالد، عن يونس، عند أبي داود: "قيل: يا رسول الله أَيْشٍ هو؟ قال: القتل
القتل"، وفي رواية للطبرانيّ عن ابن مسعود: "القتل، والكذب". انتهى (?).
قال الصغانيّ: وأصل الهرج: الكثرة في الشيء، ومنه قولهم في الجماع:
بات يهرجها ليلته جمعاء، ويقال للفرس: مَرَّ يهرج، وإنه لَمِهْرَج، ومهراج، إذا
كان كثير الجري، وهَرَج القوم في الحديث: إذا أفاضوا فيه، فأكثروا،
والهراجة: الجماعة يهرجون في الحديث، وقال في آخر الفصل والتركيب: يدلّ
على اختلاط وتخليط، وقال ابن دُريد: الهرج: الفتنة في آخر الزمان، وقال
القاضي: الفتن بعض الهرج، وأصل الهرج والتهارج: الاختلاط والقتال، ومنه
قوله: "فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة"، ومنه: "يتهارجون تهارج الحمر"،
قيل: معناه: يتخالطون رجالًا ونساء، ويتناكحون مُزاناةً، ويقال: هَرَجها
يهرجْها: إذا نكحها، ويهرجها بفتح الراء، وضمّها، وكسرها، قاله في
"العمدة" (?).