أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق
من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند
ذلك، ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
(27)} وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، فإن الله يغفر
لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالَوا نقول: لم نكن مشركين،
فخُتِم على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عُرِفَ أن الله لا
يُكتَم حديثًا، وعنده {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [الحجر: 2]. وخلق الله الأرض
في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين، ثم دحا الأرض- أي:
بسطها - ودَحْوُها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار
والآكام وما بينها في يومين آخرين، فذلك قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}
[النازعات: 30]، فجُعِلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخُلِقت
السماء في يومين. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] سَمَّى نفسه ذلك، أي: لم يزل
ولا يزال كذلك، فإن الله لم يُرِدْ شيئًا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف
عليك القرآن، فإن كلًّا من عند الله. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في قوله -عز وجل-: {وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ}:
قال أبو عبد الله القرطبيّ -رحمه الله- في "تفسيره": اختَلَف العلماء في
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} هل هو كلام مقطوع مما قبله، أو هو معطوف على ما
قبله، فتكون الواو للجمع؟ فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله، وأن الكلام
تمّ عند قوله: إِلا اللَّهَ هذا قول ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وعروة بن
الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم، وهو مذهب الكساليّ، والأخفش،
والفراء، وأبي عبيد، وغيرهم. قال أبو نَهِيك الأسدي: إنكم تَصِلُون هذه
الآية، وإنها مقطوعة، وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وقال مثل هذا عمر بن عبد العزيز، وحكى الطبري نحوه عن
يونس، عن أشهب، عن مالك بن أنس.