والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدجال، والحروفِ
المقطعة في أوائل السور.
وهذا هو القول الأول الذي استحسنه القرطبيّ.
قال: وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أُخَر غير هذه نحوُ العشرة،
ليس هذا موضع بَسْطها، وما ذكرته أشهرها، وأقربها إلى الصواب. وذكر
الأُستاذ أبو منصور البغداديّ: أن الأخير هو الصحيح عندنا، وابن السمعانيّ:
أنه أحسن الأقوال، والمختار على طريقة أهل السُّنَّة، وعلى القول الأول جرى
المتأخرون. انتهى ما في "الفتح " (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قال أبو منصور، وابن
السمعاني هو الأرجح، وهو الذي استحسنه العلامة القرطبيّ، والحافظ ابن
كثير (?)، والله تعالى أعلم.
وقال الطيبيّ -رحمه الله- في "شرح المشكاة": قد افتقرنا في بيان هذا الحديث
إلى الكشف عن المراد بالمحكم والمتشابه، فيتّضح المحِقُّ من المبطِل من
أبواب التأويل، فنقول -وبالله التوفيق-: المراد بالمحكم: ما اتضح معناه،
والمتشابه بخلافه؛ لأن اللفظ الذي يفيد معنىً، إما أن يحتمل غيره أو لا،
الثاني: النص، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك المعنى راجحة أو لا،
والأول هو الظاهر، والثاني إما أن يكون مساويه أو لا، والأول هو المجمل،
والثاني المؤوّل، فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين
المجمل والمؤول هو المتشابه، هكذا ينبغي أن يقسّم؛ لأنه -سبحانه وتعالى- أوقع المحكم
مقابلاً للمتشابه في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ}، وهو ما لم يتّضح معناه، فالواجب أن يُفَسَّر المحكم بما يقابله مما
يتّضح معناه.
ويعضِد ما ذكرنا أسلوبُ الآية، وهو الجمع بين التفريق والتقسيم، وذلك
أنه تعالى لَمّا فَرّق ما جَمَع في معنى الكتاب بأن قال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أراد أن يُضِيف إلى كُلٍّ منهما ما يناسبهما من الحكم،