قال القرطبيّ: ما قاله النحالس يُبَيِّن ما اختاره ابن عطية، وهو الجاري

على وضع اللسان، وذلك أن المحكم اسم مفعول من أُحكِم، والإحكامُ:

الإتقانُ، ولا شك في أنّ ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد، إنما

يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته، وإتقان تركيبه، ومتى اختل أحد الأمرين

جاء التشابه والإشكال. والله أعلم.

وقال ابن خويزِ مَنْدَاد: للمتشابه وجوه، والذي يتعلق به الحكم ما اختَلَفَ

فيه العلماء: أيُّ الايتين نسخت الأخرى، كقول عليّ وابن عباس - رضي الله عنهم - في

الحامل المتوفى عنها زوجها: تَعْتَدُّ أقصى الأجلين، فكان عمر وزيد بن ثابت

وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم - يقولون: وَضْع الحمل، ويقولون: سورة النساء

القُصْرَى نَسَخت أربعةَ أشهُر وعشرًا، وكان عليّ وابن عبالس يقولان: لم تُنسخ.

وكاختلِافهم في الوصية للوارث، هل نُسخت أم لم تنسخ؟ وكتعارض الآيتين

أيُّهما أَولى أن تُقَدَّم إذا لم يُعرَت النسخ، ولم توجد شرائطه، كقوله تعالى:

{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] يَقتضِي الجمع بين الأقارب من مِلك

اليمين، وقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}

[النساء: 23]، يمنع ذلك. ومنه أيضًا تعارض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعارض

الأقيسة، فذلك المتشابه، وليمس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين، ويكون

الاسم مُحْتَمِلًا أو مُجملًا يَحتاج إلى تفسير؛ لأن الواجب منه قَدْر ما يتناوله

الاسم أو جميعه، والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعًا، كما

قرئ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالفتح والكسر. انتهى كلام

القرطبيّ إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ (?).

[تنبيه]: قد اقتصر في "الفتح" على ذِكر قولين من هذه الأقوال، فقال:

المحكم من القرآن ما وَضح معناه، والمتشابه نقيضه، وسُمّي المحكم بذلك؛

لوضوح مفردات كلامه، وإتقان تركيبه، بخلاف المتشابه.

وهذا هو معنى القول الذي رجحه ابن عطيّة.

قال: وقيل: المحكم: ما عُرِف المراد منه، إما بالظهور، وإما بالتأويل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015