على قواعد إبراهيم"، و"لو كنت راجمًا بغير بيِّنة لرجمت هذه"، و"لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك"، وشِبْه ذلك، فكله مستقبل لا اعتراض فيه على
قدر، فلا كراهة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يَفعَل لولا المانع،
وعما هو في قدرته، فأما ما ذهب فليس في قدرته.
قال القاضي: فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره
وعمومه، لكنه نهي تنزيه، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن "لو" تفتح عمل الشيطان".
إنتهى.
قال النوويّ بعد نقل كلام القاضي ما نصّه: وقد جاء من استعمال "لو"
في الماضي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي"،
وغير ذلك، فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه،
فيكون نهيَ تنزيه لا تحريم، فأما من قاله تأسفًا على ما فات من طاعة الله
تعالى، أو ما هو متعذر عليه من ذلك، ونحو هذا، فلا بأس به، وعليه يُحمَل
أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- (?). وهو
بحثٌ نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم.
[فائدة مهمّة]: إنما دخلت "ال" على دالو" في روإية ابن ماجه المتقدّمة؛
لأنها أُريد لفظها، فاستُعملت استعمال الأسماء، وهذه قاعدة عامّة في كل ما
أريد لفظه، سواء كان حرفًا، أو غيره، قال ابن مالك -رحمه الله- في "شرح الكافية":
وإذا نُسب إلى حرف أو غيره حكمٌ هو للفظه دون معناه جاز أن يُحكى، وجاز
أن يُعرب بما يقتضيه العوامل، فمن الحكاية قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إياك و"لو"، فإن
"لو" تفتح عمل الشيطان"، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:
بُثَيْنُ الْزَمِي "لا" إِنَّ "لا" إِنْ لَزِمْتِهِ ... عَلَى كَثْرَةِ الْوَاشِينَ أيُّ مَعُونِ
ومن الأعراب قول الشاعر [من الخفيف]:
لَيْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّي "لَيْتٌ" ... إِنَّ "لَوًّا" وَإِنَّ "لَيْتًا" عَنَاءُ
وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ونهاكم عن قِيلَ وقَالَ" على الحكاية، و"عن
قيلٍ وقالٍ على الإعراب.