عَمَلَ الشَّيْطَانِ") وفي رواية ابن ماجه المذكورة: "وإيّاك واللّوّ، فإن اللَّوّ تفتح

عمل الشيطان"، قال الشاطبيّ -رحمه الله-: "لِمَ"، و"لو"، و"ليت" تورث القلب

انفلاقًا.

وقال بعض شراح "المصابيح"؛ أي: إن قول "لو"، واعتقاد معناها يُفضي

بالعبد إلى التكذيب بالقدر، أو عدم الرضا بصنع الله تعالى؛ لأن القدر إذا ظهر

بما يَكره العبد قال: لو فعلت كذا لم يكن كذا، وقد قَدَّر في علم الله أنه لا

يفعل إلا الذي فَعَل، ولا يكون إلا الذي كان، وقد أشار بقوله قبل ذلك:

"ولكن قدّر الله، وما شاء فعل"، ولم يُرد كراهة التلفظ بـ "لو" في جميع

الأحوال، وسائر الصور، وإنما عني الإتيان بها في صيغة تكون فيها منازعة

القدر، والتأسف على ما فاته من أمور الدنيا، وإلا فقد ورد في القرآن، مثل:

{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} [آل عمران: 154]، وفي

الحديث: "لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ"؛ لأنه لم يُرد به منازعة

القدر.

وقال القاضي -رحمه الله-: قوله: "فإن لو تفتح"؛ أي: لو كان الأمر لي، وكنت

مستبدًّا بالفعل والترك، كان كذا وكذا، وفيه تأسّف على الفائت، ومنازعة

للقدر، وإيهام بأن ما كان يفعله باستبداده، ومقتضى رأيه خير مما ساقه القدر

إليه، من حيث إن "لو" تدلّ على انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيما مضى، ولذلك

استكرهه، وجعله مما يَفتح عمل الشيطان، وقوله في حديث فسخ الحج إلى

العمرة: "ولو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ"، ليس من هذا القبيل، وإنما

هو كلام قُصد به تطييب قلوبهم، وتحريضهم على التحلل بأعمال العمرة.

وقال القاضي عياض-رحمه الله-: قال بعض العلماء: هذا النهي إنما هو لمن

قاله معتقدًا ذلك حمَمًا، وأنه لو فَعَل ذلك لم تُصبه قطعأ، فأما من رَدّ ذلك إلى

مشيئة الله تعالى بأنه لن يصيبه إلا ما شاء الله، فليس من هذا، واستَدَلَّ بقول

أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في الغار: "لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا".

قال القاضي: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن مُستَقبَلٍ، وليس فيه

دعوى لردّ قدر بعد وقوعه، قال: وكذا جميع ما ذكره البخاري في "باب ما

يجوز من اللَّوّ"، كحديث: "لولا حِدْثانُ عهد قومك بالكفر، لأتممت البيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015