بغير ألف الاستفهام، ومثله: "أَوَ لم يعلم أبو القاسم، أول زمرة تدخل الجنة؟ "
على التقرير، ومثله قوله: "أَوَ قد كان ذلك؟ "، "أَوَ فتح هو؟ " على الاستفهام،
وفي حديث الصلاة في الكعبة: "أو في زواياها؟ " كذا رواه العذري بهذا
اللفظ، والضبط على الاستفهام، وكذلك قوله: "أوَ هبلتِ، أَوَ جنة واحدة
هي؟ " الأولى على التوبيخ، والثانية على التقرير والإنكار، كل هذا بفتح الواو،
ومن روى مُنبِّهًا من الرواة شيئًا بالسكون، فهو خطأ مفسد للمعنى، مغيِّر له،
وقد رواه بعضهم "أو هبلتِ"، وليس بشيء.
وقوله: "تبكين، أَوْ لا تبكين، فما زالت الملائكة تظله" الحديث،
بسكون الواو، وقد يكون هذا شكًّا من الراوي، في أي الكلمتين قال؟ ، أو
يكون على طريق التسوية للحالين؛ أي: سواء حالاكِ في ذلك، كحالة هو كذا،
والأول أظهر. انتهى كلام القاضي عياض -رحمه الله- (?)، وهو تحقيقٌ مهمّ جدًّا، والله
تعالى أعلم.
(يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ خَلقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا)؛ أي: يدخلونها، ويتنعّمون بها،
(خَلَقَهُمْ لَهَا) قال الطيبيّ -رحمه الله-: كرّر "خلق" لإناطة أمر زائد عليه، وهو قوله:
"وهم في أصلاب آبائهم" اهتمامًا بشأنه، كما قال زهير [من البسيط]:
مَنْ يَلْقَ يَوْمًا عَلَى عِلَّاتِهِ هَرِمًا ... يَلْقَ السَّمَاحَةَ مِنْهُ وَالنَّدَى خُلِقَا
عِلَّاته بكسر العين؛ أي: على كلّ حال، و"هرمًا" اسم رجل، وكرّر
"يَلْقَ"، وعلّق به السماحة والندى اهتمامًا به.
وقوله: (وَهُمْ في أَصْلَابِ آبَائهمْ) جملة في محلّ نصب على الحال؛ أي:
قبل أن يولدوا، ويخرجوا إلى دار التكليف، قيل: عيّن في الأزل من سيكون
من أهل الجنّة، ومن سيكون من أهل النار، فعبّر عن الأزل بأصلاب الآباء
تقريبًا لأفهام العامّة. وقال الطيبيّ: وَيحْتَمِل أن يكون المراد بقوله: "وهم في
أصلاب آبائهم": خَلْق الذرّيّة في ظهر آدم -عليه السلام-، وإخراجها ذرّيّةً بعد ذُرّيّة من
صُلب كل والد إلى انقراض العالم (?).