فاعلم أنه متى جاءت هذه الصيغة على التقرير، أو التوبيخ، أو الردّ، أو
الإنكار، أو الاستفهام كانت مفتوحة الواو، وإذا جاءت على الشكّ، أو
التقسيم، أو الإبهام، أو التسوية، أو التخيير، أو بمعنى الواو، على رأي
بعضهم، أو بمعنى "بل"، أو بمعنى "حتى"، أو بمعنى "إلى"، وكيف كانت
عاطفة فهي ساكنة.
فمما يُشكل من ذلك في هذه الأصول قوله في حديث سعد بن أبي
وقّاص - رضي الله عنه - حين قال: إني لأراه مؤمنًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا"، هذه بسكون
الواو، على معنى الإضراب عن قوله، والحكمِ بالظاهر، كأنه قال: بل قل:
مسلمًا، ولا تقطع بإيمانه، فإن حقيقة الإيمان، وباطن الخَلْق لا يعلمه إلا الله،
وإنما تَعْلم الظاهر، وهو الإسلام، وقد تكون بمعنى التي للشك؛ أي: لا تقطع
بأحدهما دون الآخر، ولا يصحّ فتح الواو هنا جملةً.
ومثله قوله لعائشة - رضي الله عنها - حين قالت: عصفور من عصافير الجنة: "أو غير
ذلك " بالسكون؛ أي: لا تقطعي على ذلك، فقد يكون غير ما تعتقديه، فعِلمه
إلى الله تعالى، ومن فَتَح الواو في هذا ومثله أحال المعنى، وأفسده.
قال الجامع عفا الله عنه: لا إحالة للمعنى، ولا إفساد في الفتح، كما
تقدّم تحقيقه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: ومثله قول المرأة: إنه لأسحر الناس، أوْ إنه لرسول الله حقًّا، على
طريق الشكّ، وكذلك قوله في لحوم الحمر: "واكسروا القدور"، فقالوا: نهريق
ما فيها، ونغسلها؟ ، فقال: "أو ذلك" بالسكون على الإباحة، والتسوية.
وأما قوله في حديث: "ما يفتح من زهرة الدنيا، أَوَ خيرٌ هو؟ " فهذا بفتح
الواو؛ لأنه على جهة التقرير، والردّ، وهي واو الابتداء، قبلها ألف
الاستفهام.
ومثله قوله في الحديث الآخر: "أَوَ في شكّ أنت يابن الخطاب؟ " على
جهة التوبيخ والتقرير، وكذلك: "أوَ ما طُفتِ بالبيت؟ " على جهة الاستفهام،
وكذلك في الأشربة: "أَوَ مسكر هو؟ " على الاستفهام، وكذلك: "أَوَ تعلم ما
النقير؟ " كله على الاستفهام، وكذلك قوله: "أَوَ قد فعلوها؟ "، وقوله: "أَوَ
أملك أن نزع الله منك الرحمة؟ " على طريق التوبيخ، ورواه مسلم: "وأملك"