[قلت]: هو من باب الادّعاء، كقولهم: تحيّة بينهم ضربٌ وجيعٌ،

وقولهم: القلم أحد اللسانين، جُعل بالادّعاء التحيّة والقلم ضربين: أحدهما

المتعارف من الضرب واللسان، والآخر غير المتعارف من الضرب واللسان،

فبيّن في الأول بقوله: ضرب وجيعٌ أن المراد غير المتعارف، كما بيّن في

الثاني بقوله: أحد اللسانين أن المراد منه غير المتعارف، جَعَلت - رضي الله عنها - العصفور

صنفين: أحدهما: المتعارف، وثانيهما: الأطفال من أهل الجنّة، وعيّنت

بقولها: "من عصافير الجنة" أن المراد الثاني. وقولها: "لم يعمل السوء" بيان

لإلحاق الطفل بالعصفور، وجَعْله منه، كما جَعَل القائل القلمَ لسانًا بواسطة

إفصاحهما عن الأمر المضمر. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا قرّر الطيبيّ أنه لا تشبيه هنا، لكن

الحقّ أنه من باب التشبيه، وقد عرفت تحقيقه في كلام القاري المذكور قبله،

فتفطّن، ولا تكن أسير التقليد، والله الهادي إلى سواء السبيل.

(لَمْ يَعْمَل) بفتح أوله، وثالثه، من باب تَعِبَ، (السُّوءَ) بضم السين

المهملة، وتُفتَح؛ أي: الذَّنْب، قال المظهر: أي: لم يعمل ذنبًا يتعلّق

بحقوق الله، وأما حقوق العباد، كإتلاف مال مسلم، وقَتْل نفس، فيؤخذ منه

الغُرْم والدية، وإذا سرق يؤخذ منه المال، ولا تُقطع يده؛ لأنه من حقوق الله.

انتهى، قال القاريّ: لا تُسمّى هذه الأفعال منه ذنوبًا. فتأمل (?).

والحاصل: أنه لم يَجرِ عليه القلمُ بسبب سوء عمله، لكونه مرفوع القلم،

لقوله جميم: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ،

وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يحتلم"، حديث صحيح، أخرجه

أحمد، وأبو داود، والحاكم.

(وَلَمْ يُدْرِكْهُ)؛ أي: لم يُدْرك وقت السوء، وهو ما بعد البلوغ، وقال

القاري: أي: لم يَلحقه السوء، فيكون تأكيدًا، أو لم يُدرك هو السوء؛ أي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015