الفرّاء الحنبليّ عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: لا يُختلف فيهم أنهم من أهل
الجنّة، وهذا هو المشهور بين الناس، وأما ما نُقل عن بعضهم أنهم توقّفوا،
وقالوا: إن الوِلدان كلهم تحت المشيئة، فغريب جدًّا، كما نبّه عليه الحافظ ابن
كثير في "تفسيره" (?)، فتنبّه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة
على أقوال:
[أحدها]: أنهم في مشيئة الله تعالى، وهو منقول عن الحمَّادَين، وابن
المبارك، وإسحاق، ونقله البيهقيّ في "الاعتقاد" عن الشافعيّ في حقّ أولاد
الكفار خاصّة، قال ابن عبد البرّ: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في
هذه المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرّحوا بأن أطفال المسلمين في
الجنة، وأطفال الكفار خاصّة في المشيئة، والحجة فيه حديث: "الله أعلم بما
كانوا عاملين".
قال ابن القيّم -رحمه الله-: قالوا: وقد رَوى ابن حبان في "صحيحه" من حديث
جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العُطارديّ قال: سمعت ابن عباس يقول،
وهو على المنبر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال أمر هذه الأمة قَوّامًا، أو مقاربًا
ما لم يتكلموا في الوِلدان، والقَدَر".
قال أبو حاتم: الوِلدان أراد بهم أطفال المشركين، قال ابن القيّم: وفيما
استدلّت به هذه الطائفة نظر، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يجب فيهم بالوقف، وإنما وَكَلَ
عِلم ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله، وهذا جواب عن سؤالهم: كيف
يكونون مع آبائهم بغير عمل؟ وهو طرف من الحديث، ويدل عليه حديث
عائشة - رضي الله عنها - الذي ذكره أبو داود (?)، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وكَل العلم بعملهم إلى الله، ولم