قال الجامع عفا الله عنه: عندي أرجح الأقوال هو القول الثاني، وهو أن

المراد بالفطرة هو الإسلام، وقد تقدّم أنه هو المعروف عند عامّة السلف،

وصححه النووي، والقرطبيّ، قال النوويّ -رحمه الله-: والأصح أن معنى قوله: "يولد

على الفطرة" أن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام، فمن كان أبواه، أو أحدهما

مسلمًا استمرّ على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين

جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى: "يهوِّدانه، وينصِّرانه،

ويمجِّسانه"؛ أي: يُحكم له بحكمهما في الدنيا، فإن بلغ استمرّ عليه حُكْمُ

الكفر ودِينهما، فإن كانت سبقت له سعادة أسلم، وإلا مات على كفره، وإن

مات قبل بلوغه فالأصح أنه من أهل الجنة.

والجواب عن حديث: "الله أعلم بما كانوا عاملين" أنه ليس فيه تصريح

بأنهم في النار، وحقيقة لفظه: "الله أعلم بما كانوا يعملون" لو بلغوا، ولم

يبلغوا؛ إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ.

وأما غلام الخضر، فيجب تأويله قطعًا؛ لأن أبويه كانا مؤمنين، فيكون

هو مسلمًا، فيُتأوّل على أن معناه: أن الله أعلمُ أنه لو بلغ لكان كافرًا، لا أنه

كافر في الحال، ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار، والله أعلم. انتهى.

والحاصل: أن أرجح الأقوال هو القول بأن الفطرة هي الإسلام، وبقوّي

ذلك رواية مسلم بعد هذا بلفظ: "ما من مولود يولد إلا وهو على هذه الملّة"،

فإنه صريح في كون معنى الفطرة هو الإسلام، ويقوّيه أيضًا ما سيأتي لمسلم في

"كتاب صفة الجنّة" من حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه - الطويل، وفيه: "وإني

خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم المشياطين، فاجتالتهم عن دينهم ... "

الحديث، فهو أيضًا صريح في أنهم فُطروا على هذه الملّة، وهي الإسلام،

فتأمَّله بالإمعان، والله تعالى وليّ التوفيق.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأطفال، هل هم

من أهل الجنّة، أم من أهل النار؟

(اعلم): أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، وأما أولاد

المسلمين، فلا خلاف في كونهم من أهل الجنّة، كما حكاه القاضي أبو يعلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015