يريد، فقد يكفر العبد، ثم يؤمن، فيموت مؤمنًا، وقد يؤمن، ثم يكفر، فيموت
كافرًا، وقد يكفر، ثم لا يزال على كفره، حتى يموت عليه، وقد يكون مؤمنًا،
حتى يموت على الإيمان، فالفطرة عند هؤلاء ما قدّره الله على عباده من أول
أحوالهم إلىآخرها، سواء كانت حالة واحدة لا تنتقل، أو حالًا بعد حال،
قال ابن عبد البرّ: وهذا وإن كان صحيحًا في الأصل، فإنه أضعف الأقاويل
من جهة اللغة في معنى الفطرة، حكاها كلها ابن عبد البرّ وغيره.
[القول السابع]: أن المراد بالفطرة: ملّة أبيه؛ أي: دِينه؛ بمعنى: أن له
حُكمه، حكاه القاضي عياض، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: سألت
محمد بن الحسن عن هذا الحديث، فقال: كان هذا في أول الإسلام قبل أن
تنزل الفرائض، وقبل الأمر بالجهاد، قال أبو عبيد: كأنه يعني: أنه لو كان يولد
على الفطرة، ثم مات قبل أن يهوِّداه أبواه، أو ينصّرانه، لم يرثهما، ولم يرثاه؛
لأنه مسلم، وهما كافران، ولَمَا جاز أن يُسْبَى، فلما فُرضت الفرائض،
وتقررت السنن على خلاف ذلك عُلم أنه يولد على دينهما. انتهى.
وهذا يوافق القول الثاني أن المراد بالفطرة: الإسلام لله، وجعله منسوخًا لِمَا
ذكره، والحقّ أنه لا يحتاج فيه إلى دعوى النسخ؛ لأنه وإن كان معناه الولادة على
الإسلام، فقد أخبر في بقيته أن أبويه يهوّدانه، وينصّرانه؛ أي: يثبت له حكمهما
بطريق التبعية، فالحكم بإسلامه هو الباطن، ويهوديته، أو نصرانيته هو في الظاهر.
وقال ابن عبد البرّ: أظن محمد بن الحسن حاد عن الجواب فيه لإشكاله
عليه، أو لجهله به، أو لكراهة الخوض في ذلك، قال: وقوله: إن ذلك كان قبل
الأمر بالجهاد، فليس كما قال؛ لأن في حديث الأسود بن سَرِيع ما يُبيّن أن ذلك
كان بعد الأمر بالجهاد، وهو حديث صحيح، ثم رَوَى عن الأسود بن سَرِيع
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال قوم بلغوا في القتل حتى قتلوا الولدان؟ " فقال
رجل: أوَ ليس أبناؤهم أولاد المشركين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوَ ليس خياركم
أولاد المشركين؟ إنه ليس من مولود، إلا وهو يولد على الفطرة، فيعبّر عنه
لسانه، ويهوِّده أبواه، أو ينصّرانه"، ذكر هذا كلّه ولي الدين العراقيّ (?).