وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره": قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)}: قال ابن مسعود: يعني: أبا بكر - رضي الله عنه -، وقاله عامة المفسرين،
فرُوي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يُعتق على الإسلام
عجائز ونساء، قال: فقال له أبوه قحافة: أي بُنَيّ، لو أنك أعتقت رجالًا جُلْدًا
يمنعونك، ويقومون معك؛ فقال: يا أبت إنما أريد ما أريد.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ أي: بذل، {وَاتَّقَى}؛
أي: محارم الله التي نهى عنها.
{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}؛ أي: بالخلَف من الله تعالى على عطائه، وفي
"صحيح مسلم" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من يوم يصبح
العباد فيه، إلَّا وملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللَّهُمَّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول
الآخر: اللَّهُمَّ أعط ممسكًا تلفًا".
وقال أهل التفسير: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} المعسرين، وقال قتادة: أعطى حق الله
تعالى الذي عليه. وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}؛
أي: بلا إله إلَّا الله، قاله الضحاك، والسلميّ، وابن عباس أيضًا، وقال
مجاهد: بالجنة، دليله قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
وقال قتادة: بموعود الله الذي وعده أن يثيبه. وقال زيد بن أسلم: بالصلاة،
والزكاة، والصوم. وقال الحسن: بالخلف من عطائه، وهو اختيار الطبريّ
وتقدم عن ابن عباس، وكله متقارب المعني، إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو
الجَنَّة.
وقوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}؛ أي: نرشده لأسباب الخير،
والصلاح، حتى يسهل عليه فعلها. وقال زيد بن أسلم: {لِلْيُسْرَى} للجنة. وقوله
تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}؛ أي: ضنّ بما عنده، فلم يبذل خيرًا. روى
الضحاك عن ابن عباس: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} قال: سوف أحول بينه وبين
الإيمان بالله، وبرسوله، وعنه عن ابن عباس قال: نزلت في أمية بن خلف،
وروى عكرمة عن ابن عباس: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)} يقول: بخل بماله،
واستغنى عن ربه. {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}؛ أي: بالخلف. وروى ابن أبي نجيح
عن مجاهد: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)} قال: بالجنة. وبإسناد عنه آخر قال: