عن التصرف في الأمور المغيبة، فلا يجعلوا العبادة وتَرْكها سببًا مستقلًّا لدخول
الجَنَّة والنار، بل هي علامات فقط. انتهى (?).
(ثُمَّ قَرَأَ) النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله تعالى: ({فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5])؛ أي: حقّ الله
من المال، أو الامتثال، ({وَاتَّقَى} [الليل: 5]) رّبه؛ أي: خاف مخالفته، أو
عقوبته، واجتنب معصيته، ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} [الليل: 6])؛ أي: بالخُلْف؛
يعني: أيقن أن الله تعالى سيُخْلف عليه، وعن أبي عبد الرَّحمن السُّلَميّ،
والضحاك: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} بلا إله إلَّا الله، وعن مجاهد: وصدّق بالجنة،
وعن قتادة، ومقاتل: بموعود الله تعالي، ({فَسَنُيَسِّرُهُ} [الليل: 7])؛ أي: فسنهيئه
في الدنيا ({لِلْيُسْرَى} [الليل: 7])؛ أي: للخلّة اليسري، وهو العمل بما يرضاه الله
تعالى. ({وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} [الليل: 8])؛ أي: بالنفقة في الخير، ({وَاسْتَغْنَى} [الليل:
8])، أي: بشهوات الدنيا عن نعيم العقبي، ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)} [الليل: 9])؛
أي: بكلمة لا إله إلَّا الله، ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 10])؛ أي: للخَلّة
المؤدية إلى العسر، والشدّة، وهي خلاف اليسري، قيل: سُمّي طريق الخير
باليسرى؛ لأنَّ عاقبته اليسر، وطريق الشر بالعسرى؛ لأنَّ عاقبته العسر.
قال في "الفتح": ووقع في حديث ابن عباس عند الطبرانيّ نحو حديث
عمر، وفي آخره: "قال: اعمل، فكلٌّ ميسَّر"، وفي آخره عند البزار: "فقال
القوم بعضهم لبعض: فالجِدّ إذًا"، وأخرجه الطبرانيّ في آخر حديث سراقة،
ولفظه: "فقال: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: كلّ ميسر لعمله، قال: الآن
الجدّ، الآن الجدّ"، وفي آخر حديث عمر عند الفريابيّ: "فقال عمر: ففيم
العمل إذًا؟ قال: كلّ لا يُنال إلَّا بالعمل؟ قال عمر: إذًا نجتهد"، وأخرج
الفريابيّ بسند صحيح إلى بشير بن كعب، أحد كبار التابعين: "قال: سأل
غلامان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيم العمل؟ فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير،
أم شيء نستأنفه؟ قال: بل فيما جفت به الأقلام، قالا: ففيم العمل؟ قال:
اعملوا فكل ميسر لِمَا هو عامل، قالا: فالجدّ الآن". انتهى (?).