لا يردّ القضاء والقدر السابق، فلا فائدة فيه، فنبّه بالجواب عنه أن الله تعالى
دبّر الأشياء على ما أراد، وربط بعضها ببعض، وجعلها أسبابًا ومسبَّبات، ومن
قدّره من أهل الجنّة قدّر له ما يُقرّبه إليها من الأعمال، ووفّقه لذلك، بإقداره،
ويُمكّنه منه، وُيحرّضه عليه بالترغيب والترهيب، ومن قدّر أنه من أهل النار قدّر
له خلاف ذلك، وخذَلَهُ حتى اتّبع هواه، وترك أمر مولاه.
والحاصل: أنه جعل الأعمال طريقًا إلى نَيْل ما قدّره له من جنة أو نار،
فلا بدّ من المشي في الطريق، وبواسطة التقدير السابق يتيسّر ذلك المشي لكلٍّ في
طريقه، وَيَسهلُ عليه، وتلا الآية للاستشهاد على أنَّ التيسير منه تعالى. انتهى (?).
وقوله: (فَقَالَ إلخ) هذا من تمام قول الرجل (?)؛ أي: قال الرجل الذي
قال: "أفلا نمكث إلخ" مكملًا سؤاله: (مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ)؛ أي: من
كُتب سعيدًا (فَسَيَصِيرُ)؛ أي: فسيرجع (إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ) لكونه خُلق له،
(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) بفتح الشين المعجمة، وكسرها، قال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -:
والشَّقَا: الشدّة، والعسر، ويمدّ، شَقِي، كرَضِي، شَقَاوةً - أي: بالفتح -
ويُكسر، وشَقًا، وشَقَاءً، وشَقْوةَ، ويُكسر، وشقاه الله، وأشقاه. انتهى (?).
(فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَقَالَ) النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ردًّا على هذا الإيراد:
("اعْمَلُوا) بما أُمرتم به، (فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) وفي الرواية الآتية: "فكلّ ميسّر لِمَا خُلق
له ... " الحديث.
(أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ) بصيغة المبنيّ للمجهول؛ أي: يُسهَّلون،
ويهيّئون (لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ")
قال في "الفتح": وحاصل السؤال: أَلَّا نترك مشقة العمل، فإنا سنصير إلى ما
قُدّر علينا، وحاصل الجواب: لا مشقة؛ لأنَّ كلّ أحد ميسَّر لِمَا خُلق له، وهو
يسير على من يسّره الله، قال الطيبيّ: الجواب من الأسلوب الحكيم، مَنَعهم
عن ترك العمل، وأمَرَهم بالتزام ما يجب على العبد، من العبودية، وزَجَرهم