وأخرجه أحمد، والبزار، والطبرانيّ من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:

"قلت: يا رسول الله نعمل على ما فُرغ منه ... " الحديث نحوه.

ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص: "فقال رجل من الأنصار ... ".

والجمع بينها تعدُّد السائلين عن ذلك، فقد وقع في حديث عبد الله بن

عمرو أن السائل عن ذلك جماعة، ولفظه: "فقال أصحابه: ففيم العمل، إن

كان قد فُرغ منه؟ فقال: سَدِّدوا، وقاربوا، فإن صاحب الجَنَّة يُختم له بعمل

أهل الجَنَّة، وإن عمل أيّ عمل ... " الحديث، أخرجه الفريابيّ (?).

(أفَلَا نَمْكُثُ)؛ أي: نثبت، ونستمرّ، والفاء معَقّبة لشيء محذوف،

تقديره؛ أي: فإذا كان كذلك أفلا نمكث (عَلَى كتَابِنَا)؛ أي: نعتمد على ما قُدّر

علينا، وهو المكتوب علينا، من سعادة، أو شقاوة، (وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ )؛ أي:

نترك العمل، وفي الرواية التالية: "قالوا: يا رسول الله، فلِمَ نعمل؟ أفلا

نتكل؟ "؛ أي: أفلا نعتمد على كتابنا الذي قدّر الله علينا؟ .

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهَ - قوله: "أفلا نتكل"؟ أي: أفلا نعتمد على ما كُتب لنا

في الأزل، ونترك العمل؟ يعني: إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة، أو نار،

فأفي فائدة في السعي؟ فإنه لا يرُدّ قضاء الله، وقَدَره، فأجاب - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله:

"اعملوا" وهو من الأسلوب الحكيم، مَنَعهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الاتكال، والترك، وأمرهم

بالتزام ما يجب على العبد، من امتثال أمر مولاه، وهو عبوديته عاجلًا،

وتفويض الأمر إليه آجلًا.

يعني: أنتم عبيد، ولا بدّ لكم من العبودية، فعليكم بما أُمرتم، وإياكم

والتصرف في الأمور الإلهية؛ لآية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}

[الذاريات: 56] فلا تجعلوا العبادة، وتَرْكها سببًا مستقلًا لدخول الجنة والنار،

بل هي أمارات، علامات لها، ولا بد في الإيجاب من لُطف الله وكرمه، أو

خذلانه، كما ورد: "ولا يدخل الجَنَّة أحد بعمله ... " الحديث. انتهى (?).

وقال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ - ما حاصله: قوله: "أفلا نتكل": أي: إذا كان العمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015