وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - قوله: "مقعده"؛ أي: محل قعوده، وكنى عن كونه من
أهل الجَنَّة، أو النار باستقراره فيها، والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري
على ظاهرها، فإن "ما" النافية و "من" الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد
مقعد من النار، ومقعد من الجَنَّة، وإن ورد في حديث آخر هذا المعنى؛ لأنَّ
التفصيل الآتي يأبى حَمْله على ذلك، فيجب أن تكون الواو بمعنى "أو". انتهى.
(وَإِلَّا وَقَدْ كتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً") إعادة "إلّا" يَحْتَمِل أن يكون "ما من
نفس" بدلَ "ما منكم"، و "إلَّا" الثانية بدلًا من الأُولي، وأن يكون من باب اللفّ
والنشر، فيكون فيه تعميم بعد تخصيص، والثاني في كلّ منهما أعمّ من الأول،
أشار إليه الكرمانيّ (?).
(قَالَ) عليّ - رضي الله عنه -: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ) وهذا الرجل وقع في حديث
جابر - رضي الله عنه - الآتي عند مسلم بعد هذا أنه سراقة بن مالك بن جُعْشم، ولفظه:
"جاء سراقة بن مالك بن جُعشم، قال: يا رسول الله بَيِّن لنا ديننا، كأنّا خُلقنا
الآن، فيما العمل اليوم؟ ، أفيما جفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما
نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، قال: ففيم
العمل؛ فقال: اعملوا، فكل ميسَّر"، وأخرج الطبرانيّ، وابن مردويه نحوه،
وزاد: وقرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} - إلى قوله -: {لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10].
وأخرجه ابن ماجة من حديث سراقة نفسه، لكن دون تلاوة الآية.
ووقع هذا السؤال وجوابه سوى تلاوة الآية لشُريح بن عامر الكلابيّ،
أخرجه أحمد، والطبرانيّ، ولفظه: "قال: ففيم العمل إذًا؟ قال: اعملوا، فكل
ميسَّر لِمَا خُلق له".
وأخرج الترمذيّ من حديث ابن عمر، قال: "قال عمر: يا رسول الله،
أرأيت ما نعمل فيه، أمر مبتدَعٌ، أو أمر قد فُرغ منه؟ قال: فيما قد فُرغ
منه ... " فذكر نحوه.
وأخرج البزار، والفريابيّ من حديث أبي هريرة: "أن عمر قال: يا
رسول الله ... " فذكره.