خَلْقه، والدعاء بإفاضة الصورة الكاملة عليه، أو الاستعلام عن ذلك،
ونحوهما، ومثل هذا كثير، ووقع في القرآن أيضًا في قوله تعالى حكاية عن أم
مريم عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] فإنه يكون للاعتذار، وإظهار
التأسف. انتهى (?).
(أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ) بفتحتين؛ أي: قطعة دم غليظ جامد، (أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ)؛
أي: قطعة لحم قَدْر ما يمضغه الماضغ، وفائدة قول الملك هذا: أن يستفهم
هل يتكون منها خلق أم لا؟ . (فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا) وفي رواية
البخاريّ: "فإذا أراد الله أن يقضي خَلْقها"؛ أي: أن يتمّ خلقها؛ أي: خَلْق
ما في الرحم من النطفة التي صارت علقة، ثم صارت مضغة، ويجيء القضاء
بمعنى الفراغ أيضًا (?). (قَالَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ الْمَلَكُ: أي رَبِّ ذَكَرٌ أَوْ أنثَى؟
شَقِيٌّ)؛ أي عاص لله تعالى (أَوْ سَعِيدٌ؟ )؛ أي: مطيع لله تعالى، (فَمَا الزَزْقُ؟ )
قال في "العمدة": الرزق في كلام العرب: الحظّ، قال الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ
رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} [الواقعة: 82]؛ أي: حظكم من هذا الأمر، والحظ
هو نصيب الرجل، وما هو خاصّ له، دون غيره، وقيل: الرزق كل شيء
يؤكل، أو يُستعمل، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى أمرنا بأن ننفق مما رزقنا،
فقال: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [الرعد: 22] فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لَمَا
أمكن إنفاقه، وقيل: الرزق هو ما يُملك، وهو أيضًا باطل؛ لأن الإنسان قد
يقول: اللَّهُمَّ ارزقني ولدًا صالحًا، وزوجةً صالحةً، وهو لا يملك الولد،
والزوجة، وأما في عُرف الشرع، فقد اختلفوا فيه، فقال أبو الحسين
البصريّ: الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء، والحظر على غيره؛
أن يمنعه من الانتفاع به، ولمّا فَسَّرت المعتزلة الرزق بهذا لا جَرَمَ، قالوا:
الحرام لا يكون رزقًا، وقال أهل السُّنَّة: الحرام رزق؛ لأنه في أصل اللغة
الحظّ والنصيب، كما ذكرنا، فمن انتفع بالحرام، فذلك الحرام صار حظًّا
له، ونصيبًا، فوجب أن يكون رزقًا له، وأيضًا قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل