شرح الحديث:

(عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-، وقوله: (وَرَفَعَ الْحَدِيثَ) جملة حاليّة؛ أي:

والحال أن أنسًا -رضي الله عنه- رفع الحديث إلى النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وإنما عدل التابعيّ عن

الصيغة المشهورة، من: حدّثنا، أو أخبرنا، أو سمعت إلى هذه الصيغة؛ لكونه

نسي الصيغة التي ذكرها الصحابيّ، فأتى بصيغة تحتمل ذلك، والله تعالى

أعلم.

(أَنَّهُ) -صلى الله عليه وسلم- (قَالِ: "إِنَّ اللهَ عزوجل قَدْ وَكَّلَ) بالتشديد، من التوكيل، ويجوز

تخفيفها، قال في "الفتح": وقع في روايتنا بالتخفيف، يقال: وَكَله بكذا: إذا

استكفاه إياه، وصَرَف أمره إليه، وللأكثر بالتشديد، وهو موافق لقوله تعالى:

{مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] انتهى (?).

(بِالرَّحِمِ مَلَكًا) المعنى: أنه تعالى فوّض إليه أمره، وجعل التصرّف إليه

حسب الأمر الإلهيّ، (فَيَقُولُ) الملك: (أَيْ) حرف نداء، (رَبِّ نُطْفَةٌ) بالرفع

والتنوين؛ أي: وقعت في الرحم نطفة، وفي رواية: "نطفةً" بالنصب؛ أي:

خلقت يا رب نطفةً، ونداء الملَك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة، بل بين

كل حالة وحالة مدة تبئن من حديث ابن مسعود زلمحبه المتقدّم أنها أربعون يومًا،

قاله في "الفتح" (?).

وقال في "العمدة": قوله: "نطفةٍ" يجوز فيه الرفع، والنصب، أما النصب

فهو رواية القابسيّ، ووجهه أن يكون منصوبًا بفعل مقذَر، تقديره: جعلتَ المنيّ

نطفةً في الرحم، أو خلقتَ نطفةً، وأما وجه الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ

محذوف: أي: يا رب هذه نطفةٌ.

[فإن قلت]: كيف يكون الشيء الواحد نطفةً علقةً مضغةً؟ .

[قلت]: هذه الأخبار الثلاثة تصدر من الملَك في أوقات متعددة، لا في

وقت واحد، ولا يقال: ليس فيه فائدة الخبر، ولا لازمه؛ لأن الله علّام

الغيوب؛ لأنا نقول: هذا إنما يكون إذا كان الكلام جاريًا على ظاهره، أما إذا

عُدل عن الظاهر، فلا يلزم المحذور المذكور، وههنا المراد: التماس إتمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015