وهذا لا يكون حتى تصل النطفة إلى حال نهاية المضغة، كما دلّ عليه ما تقدَّم.
وبهذا تتفق الروايات، ويزول الاضطراب المتوهّم فيها- والله أعلم-.
ونسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازيّة لا حقيقية، ونما صَدَر عنه
فِعل ما في المضغة، كان عنه التصوير والتشكيل بقدرة الله تعالى، وخلقه،
واختراعه، ألا ترى أن الله تعالى قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية، وقطع عنا
جميع الخليقة، فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11]، وقال:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)}
الآية [المؤمنون: 12، 13]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية [الحج: 5]، وقال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن: 3]، وغير ذلك من الآيات.
هذا مع ما دلّت عليه قاطعات البراهين، من أنه لا خالق لشيء من
المخلوقات إلا رب العالمين.
[تنبيه]: هذا الترتيب العجيب، هان خَفِيت حكمته، فقد لاحت لنا
حقيقته، وهو أنه كذلك سَبَق في علمه، وثَبَت في قضائه، وحُكمه، وإلا فمن
الممكن أن يوجد الإنسان، وأصناف الحيوان، بل وجميع المخلوقات في أسرع
من لحظة، وأيسر من النطق بلفظة، كيف لا؟ وقد سمع السامعون قوله عزوجل:
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)} [النحل: 40].انتهى (?).
(فَيَقُولُ) الملك: (يَا رَبِّ أَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ ، فَيُكْتَبَانِ) بضمّ أوله، ومعناه:
يُكتب أحدهما، (فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى؟ ) وفي نسخة: أم أنثى؟
(فَيُكْتَبَانِ)؟ أي: يُكتب أحدهما، (وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ) من الطاعات، أو المعاصي،
(وَأثَرُهُ)؛ أي: أثر وَضْع قدمه؛ أي: قدر آثار قدميه في الأرض مدّة حياته،
(وَأَجَلُهُ)؛ أي: مقدار ما يعيشه في الدنيا من الزمن، (وَرِزْقُهُ)؛ أي: كلّ ما
ينتفع به من علم، أو مال، حلالًا كان، أو حرامًا، قليلًا كان، أو كثيرًا. (ثُمَّ
تُطْوَى) بالبناء للمفعول؛ أي: تُلَفّ تلك (الصُّحُفُ) بضمّتين: جمع صحيفة؛
أي: الأوراق التي كُتبت فيها هذه الأشياء، (فَلَا يُزَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ") بالبناء