وما ذكره الأطباء يدلّ على أن العلقة تتخلق، وتتخطط، وكذلك القوابل
من النسوة يشهدن بذلك، وحديث مالك بن الحويرث يشهد بالتصوير في حال
كون الجنين نطفة، والله أعلم.
وبقي في حديث ابن مسعود أن بعد مصيره مضغة أنه يبعث إليه الملك،
فيكتب الكلمات الأربع، وينفخ فيه الروح، وذلك كلّه بعد مائة وعشرين يومًا.
واختَلَفت ألفاظ روايات هذا الحديث في ترتيب الكتابة، والنفخ، ففي
رواية البخاريّ في "صحيحه": "ويُبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، ثم
ينفخ فيه الروح"، ففي هذه الرواية تصريح بتأخير نفخ الروح عن الكتابة، وفي
رواية خرّجها البيهقيّ في "كتاب القدر": "ثم يُبعث الملك، فينفخ فيه الروح،
ثم يؤمر بأربع كلمات"، وهذه الرواية تصرّح بتقدم النفخ على الكتابة، فإما أن
يكون هذا من تصرّف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه، وإما أن يكون
المراد ترتيب الأخبار فقط، لا ترتيب ما أخبر به، وبكل حال فحديث ابن
مسعود يدلّ على تأخير نفخ الروح في الجنين، وكتابة الملَك لأمره إلى بعد
أربعة أشهر، حتى تتم الأربعون الثالثة، فأما نفخ الروح فقد رُوي صريحًا عن
الصحابة -رضي الله عنهم- أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر، كما دلّ عليه ظاهر حديث
ابن مسعود، فروى زيد بن عليّ عن أبيه، عن عليّ قال: إذا تمَّت النطفة أربعة
أشهر، بعث الله إليها ملكًا، فينفخ فيها الروح في الظلمات، فذلك قوله تعالى:
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14]، خرّجه ابن أبي حاتم، وإسناده منقطع،
وخرّج اللالكائي بإسناده، عن ابن عباس قال: إذا وقعت النطفة في الرحم
مكثت أربعة أشهر وعشرًا، ثم نفخ فيه الروح، ثم مكثت أربعين ليلةً، ثم بعث
إليها ملك، فنَقَفَها في نقرة القفا، وكتب شقيًّا أو سعيدًا وفي إسناده نظر (?)،
وفيه أن نفخ الروح يتأخر عن الأربعة الأشهر بعشرة أيام.
وبنى الإمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديث ابن مسعود،
وأن الطفل ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر، وأنه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر