وخَبَره صِدق لا خُلف فيه، وهذا الحديث يُقَوِّي مقالتهم، ويردّ على المعتزلة
حيث أثبتوا بعقولهم أعواض الأعمال، ولهم في ذلك خَبْط كثير، وتفصيل
طويل. انتهى (?). وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(المسألة السادسة): قد شرح الحافظ ابن رجب رحمه الله هذا الحديث في
كتابه النافع "جامع العلوم والحكم" شرحًا موسّعًا، قد أجاد فيه، وأفاد، أردت
إيراده هنا، وإن كان جلّه سبق فيما مضى من الشرح، إلا أن فيه تحقيقات
منيفة، وتدقيقات لطيفة، فأوردته دون اختصار، أو تصرّف؛ محافظة على نصّه؛
لأن ذلك أَولى، وأقرب لأداء الأمانة العلميّة، فأقول: قال رحمه الله بعد سوقه
حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المذكور ما نصّه:
هذا حديث متّفق على صحته، وتلقّته الأمة بالقبول، رواه الأعمش عن
زيد بن وهب، عن ابن مسعود، ومن طريقه خرّجه الشيخان في "صحيحيهما"،
وقد رُوي عن محمد بن زيد الأسفاطيّ قال: رأيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يرى النائم،
فقلت: يا رسول الله حديث ابن مسعود الذي حدّث عنك، فقال: حدّثني
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق، فقال-صلى الله عليه وسلم-: والذي لا إله غيره حدّثته
به أنا، يقوله ثلاثًا، ثم قال: غفر الله للأعمش، كما حدّث به، وغفر الله لمن
حدّث به قبل الأعمش، ولمن حدّث به بعده (?).
وقد رُوي عن ابن مسعود من وجوه أُخَر.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن خَلْق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفةً" قد رُوي
تفسيره عن ابن مسعود، رَوَى الأعمش عن خيثمة، عن ابن مسعود قال: إن
النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعرة، وظُفْر، فتمكث أربعين يومًا،
ثم تنحدر في الرحم، فتكون عَلَقَة، قال: فذلك جَمْعُها. خرّجه ابن أبي حاتم
وغيره.
ورُوي تفسير الجمع مرفوعًا بمعنى آخر، فخرَّج الطبرانيّ، وابن منده في
"كتاب التوحيد" من حديث مالك بن الحويرث، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله