عذّبه في هذه الحالة لعذّبه وهو غير ظالم له، وإذا رحمه في هذه الحالة كانت

رحمته خيرًا من عمله، كما في حديث أُبَيّ بن كعب الذي أخرجه أبو داود

وابن ماجه في ذِكر القَدَر، ففيه: "أَبُو أن الله عذّب أهل سماواته وأرضه،

لعذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم ... " الحديث.

قال: وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأعمال

سببًا في دخول الجنة من كل وجه، والقدرية الذين زعموا أن الجنة عِوَض

العمل، وأنها ثَمَنه، وأن دخولها بمحض الأعمال، والحديث يُبطل دعوى

الطائفتين. والله أعلم.

وجوّز الكرماني أيضًا أن يكون المراد: أن الدخول ليس بالعمل،

والإدخال المستفاد من الإرث بالعمل، وهذا إن مشى في الجواب عن قوله

تعالى: {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43، والزخرف: 72] لم يمش في

قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].

قال الحافظ: ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر، وهو

أن يُحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل، لا يستفيد به العامل

دخول الجنة ما لم يكن مقبولًا، وإذا كان كذلك فَأَمْر القبول إلى الله تعالى،

وإنما يحصل برحمة الله لمن يُقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ

بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ أي: تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أن

تكون الباء للمصاحبة، أو للإلصاق، أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون

سببية.

ثم رأيت النوويّ جزم بأن ظاهر الآيات: أن دخول الجنة بسبب

الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص

فيها وقَبولها إنما هو برحمة الله وفَضْله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل،

وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بسبب العمل، وهو من رحمة الله تعالى.

وردّ الكرماني الأخير بأنه خلاف صريح الحديث.

وقال المازري: ذهب أهل السّنَّة إلى أن إثابة الله تعالى من أطاعه بفضل

منه، وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه، ولا يثبت واحد منهما إلا بالسمع،

وله سبحانه وتعالى أن يعذِّب الطائع، وُينْعم على العاصي، ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015