الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل، ولا يبعد أن

يتعلق ذلك بما في علم الحفظة، والموكلين بالآدميّ، فيقع فيه المحو

والإثبات، كالزيادة في العمر والنقص، وأما ما في علم الله، فلا محو فيه ولا

إثبات، والعلم عند الله تعالى.

10 - (ومنها): أن فيه التنبيهَ على صِدق البعث بعد الموت؛ لأن من قَدَرَ

على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم

ينفخ الروح فيه، قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابًا، ويجمع أجزاءه بعد

أن يفرقها، ولقد كان قادرًا على أن يخلقه دفعة واحدة، ولكن اقتضت الحكمة

بنقله في الأطوار رِفْقًا بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تَعْظُم عليها،

فهيَّأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل، ومن تأمل أصل خلقه من نطفة، وتنقّله

في تلك الأطوار إلى أن صار إنسانًا جميل الصورة، مُفَضّلًا بالعقل والفهم

والنطق، كان حقًّا عليه أن يشكر من أنشأه، وهيأه، ويعبده حَقَّ عبادته، ويطيعه

ولا يعصيه.

11 - (ومنها): أن فيه أن في تقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق،

فالسابق ما في علم الله تعالى، واللاحق ما يُقَدَّر على الجنين في بطن أمه، كما

وقع في هذا الحديث، وهذا هو الذي يَقبَل النَّسخ، وأما ما وقع في "صحيح

مسلم" في الباب التالي من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "كَتَبَ الله

مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"، فهو

محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ على وفق ما في علم الله سبحانه وتعالى.

12 - (ومنها): أنه استُدِلَّ به على أن السِّقْطَ بعد الأربعة أشهر يُصَلَّى

عليه؛ لأنه وقتُ نَفْخ الروح فيه، وهو منقول عن القول القديم للشافعيّ،

والمشهور عن أحمد، وإسحاق، وعن أحمد: إذا بلغ أربعة أشهر وعشرًا، ففي

تلك العشر يُنفخ فيه الروح، ويُصلّى عليه، والراجح عند الشافعية أنه لا بد من

وجود الروح، وهو القول الجديد للشافعيّ، وقد قالوا: فإذا بَكَى، أو اختلج،

أو تنفس، ثم بطل ذلك صُلِّي عليه، وإلا فلا، والأصل في ذلك ما أخرجه

النسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم، عن جابر - رضي الله عنه - رفعه: "إذا استَهَلَّ

الصبي وَرِثَ، وصُلِّيَ عليه". وقد ضعّفه النووي في "شرح المهذّب"، والصواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015