وقد زعم بعضهم أنه يُعطَى ذلك بعد خروجه من بطن أمه؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: 78]، وتُعُقّب بأن الواو لا تُرَتِّب، والتحقيق أن خلق السمع

والبصر وهو في بطن أمه محمولٌ جزمًا على الأعضاء، ثم على القوة الباصرة

والسامعة؛ لأنها مودَعة فيها، وأما الإدراك بالفعل فهو موضع النزاع، والذي

يترجح أنه يتوقف على زوال الحجاب المانع.

3 - (ومنها): أن الأعمال حَسَنها وسيئها أماراتٌ، وليست بموجبات،

وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء، وجرى به القدر في

الابتداء. قاله الخطابيّ.

4 - (ومنها): أن فيه القَسَمَ على الخبر الصدق تأكيدًا في نفس السامع.

5 - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى علم المبدإ والمعاد، وما يتعلق ببَدَن

الإنسان، وحاله في الشقاء والسعادة.

6 - (ومنها): أن فيه عِدّةَ أحكام تتعلق بالأصول والفروع، والحكمةِ،

وغير ذلك.

7 - (ومنها): أن السعيد قد يَشقَى، وأن الشقي قد يَسْعَد، لكن بالنسبة

إلى الأعمال الظاهرة، وأما ما في علم الله تعالى فلا يتغير.

8 - (ومنها): أن الاعتبار بالخاتمة، قال ابن أبي جمرة نفع الله به: هذه

التي قَطَعَت أعناق الرجال، مع ما هم فيه من حُسن الحال؛ لأنهم لا يَدرُون

بماذا يُختَم لهم.

9 - (ومنها): أن عموم مثل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ} [النحل: 97]

مخصوص بمن مات على ذلك، وأن من عمل السعادة، وخُتم له بالشقاء، فهو

في طول عمره عند الله شقي وبالعكس، وما ورد مما يخالفه يُؤَوَّلُ إلى أن يَؤُولَ

إلى هذا، وقد اشتهر الخلاف في ذلك بين الأشعرية والحنفية، وتمسَّك

الأشاعرة بمثل هذا الحديث، وتمسَّك الحنفية بمثل قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} الآية [الرعد: 39]، وأكثرَ كلٌّ من الفريقين الاحتجاجَ لقوله،

والحقّ أن النزاع لفظيٌّ، وأن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015