لهم واسعة كثيرة؛ لعدم حصول الإثم منهم، فصاروا في ذلك كالأطفال، وإن
عللنا بما ذكره القرطبيّ لم يطّرد ذلك في المجانين البالغين؛ لأن محبتهم
تُخَفَّف أو تزول، ويتمنى الأب موتهم لِمَا بهم من العاهة والضرر، فلا يحصل
له بموتهم تفجّع، ولا مشقة، والله أعلم.
8 - (الثامنة):
قد يقال: إن سائر الأولاد في ذلك سواء، وإنه لا فرق بين البالغ منهم،
وغير البالغ، وذلك بأحد أوجه:
(أولها): أن نقول بقول من يرى أن مفهوم الصفة ليس بحجة، فتعليق
الحكم بالذين لم يبلغوا الحلم لا يقتضي أن البالغين ليسوا كذلك.
(ثانيها): أن نأخذ بقول من يأخذ بالمطلق، ويرى المقيَّد فردًا من الأفراد
التي دلّ عليها المطلق.
(ثالثها): أن يقال: إن هذا المفهوم هنا ليس حجة؛ لكونه خرج مخرج
الغالب، فإن الغالب في موت الأولاد أن يكون ذلك في صِغَرهم، ومن تأخر
أجله حتى يبلغ، فالغالب أن أباه يتقدمه في الوفاة، وقد يتخلف ذلك، والقاعدة
أن ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له.
(رابعها): أن يُدَّعَى أن هذا المفهوم ليس حجة بتقرير آخر، وهو أنه خرج
جوابًا لسؤال، بأن يكون -صلى الله عليه وسلم- سئل عمن مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا
الحنث، أو ذَكَر ذلك لمن مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، فجاء
بهذا القيد مطابقًا لحاله، لا لأن الحكم يختص بهذه الحالة، والقاعدة أن ما
خرج جوابًا لسؤال لا مفهوم له.
(خامسها): قد يُدَّعَى أن هذا ليس من مفهوم المخالفة، وإنما هو من
مفهوم الموافقة، وأنهم إذا بلغوا كان التفجع عليهم أكثر، وكانت المصيبة بهم
أشدّ، فكانوا أَولى بهذا الحكم من الصغار، ويكون التقييد بالصِّغَر إشعارًا لِعِظَم
الثواب، وإن خفّت المصيبة بهم؛ لكونهم لم يبلغوا مبلغ الرجال الذين يقومون
بالأمور، فما ظنك ببلوغهم وكمالهم، فعليك بالنظر في الأمور التي ذَكَرْتُها،
وهل تَقْوَى، فيُعمل بها، أو تَضْعُف، فتُطْرح؟ فلست على ثقة منها، والعلم
عند الله تعالى.