قال الجامع عفا الله عنه: تعقُّب وليّ الدين رحمه الله للقرطبيّ هذا حسنٌ جدًّا،
والله تعالى أعلم.
6 - (السادسة):
أطلق في هذه الرواية ذِكر الولد، وقيّده في رواية أخرى في "الصحيحين"
بقوله: "لم يبلغوا الحنث"؛ أي: لم يبلغوا سنّ التكليف الذي يُكتب فيه
الحنث، وهو الإثم، ومقتضى حَمْل المطلق على المقيَّد اختصاص ذلك
بالأولاد الصغار، دون البالغين، قال أبو العباس القرطبيّ: وإنما خصهم بهذا
الحدّ؛ لأن الصغير حبه أشدّ، والشفقة عليه أعظم.
قلت (?): قد يُعكَس هذا المعنى، ويقال: التفجع على فَقْد الكبير أشدّ،
والمصيبة به أعظم، ولا سيما إذا كان نجيبًا يقوم عن أبيه بأموره، ويساعده في
معيشته، وهذا مشاهد معلوم، والمعنى الذي ينبغي أن يُعَلَّل به ذلك ما في
حديث أنس -رضي الله عنه-: "إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم"، وهو في "صحيح
البخاريّ"، وغيره كما تقدم، وهو في "مسند أحمد"، وغيره من حديث عمرو بن
عَبَسة، وأم سليم، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" من حديث أبي أمامة، وفي
"سنن النسائيّ" من حديث أبي ذرّ، وفي "معجم الطبرانيّ الكبير" من حديث
حبيبة بنت سهل، وأم مبشر، ومن لم يُكتب عليه إثم فرحمته أعظم، وشفاعته
أبلغ.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا التعليل الذي أبداه وليّ الدين متعقّبًا على
تعليل القرطبيّ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
7 - (السابعة):
فعلى هذا لو مات له ثلاثة أولاد بالغين معتوهين عَرَض لهم العَتَهُ
والجنون قبل البلوغ بحيث لم يَجْر عليهم تكليف، ولم يُكتب عليهم إثم، هل
يكونون كغير البالغين؟ هذا يَحْتَمِل، والأرجح إلحاقهم بهم، وقد يُدَّعَى دخولهم
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لم يبلغوا الحنث"، وينبغي أن يُبنَى ذلك على المعنيَيْن المتقدِّم
ذِكرهما، فإن عللنا بما في الحديث كان حكم المجانين كذلك؛ لأن الرحمة