تعليق الحكم بعددٍ مَّا لا ينافيه من جهة دليل الخطاب عما عداه من العدد، كان

أقلّ، أو أكثر، إلا بنصّ. انتهى (?).

5 - (الخامسة):

قال أبو العباس القرطبيّ: إنما خَصّ الولد بثلاثة؛ لأن الثلاثة أول مراتب

الكثرة، فبِعِظَم المصائب تَكْثُر الأجور، فأما إذا زاد على الثلاثة، فقد يخفّف أجر

المصيبة بالزائد؛ لأنها كأنها صارت عادة، ودَيْدنًا، كما قال المتنبي [من الكامل]:

أَنْكَرْتُ طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً ... ثُمَّ اعْتَرَفْتُ بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنَا

وقال آخر [من البسيط]:

رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ ... وَبِالْمَصَائِبِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي

ثم قال: ويَحْتَمِل أن يقال: إنما لم يذكر ما بعد الثلاثة؛ لأنه من باب

الأحرى والأَولى؛ إذ من المعلوم أن من كثرت مصائبه، كثر ثوابه، فاكتفى

بذلك عن ذِكره.

قال وليّ الدين متعقّبًا لتقرير القرطبيّ المذكور: إذا جعلنا لمفهوم العدد

دلالةً، فدلالته في هذه الصورة في منع النقصان، لا في منع الزيادة، فإن من

مات له أربعة، فبالضرورة قد مات له ثلاثة، فلا معنى لهذا الكلام الذي ذكره

القرطبيّ، وإذا أخبر الصادق بأن من مات له ثلاثة لم يلج النار، إلا تحلة

القسم، فمات لشخص ثلاثة، فحصلت له هذه البشرى، ثم مات له أربع،

انقطعت هذه البشرى بموت هذا الرابع، وصار على خطر دخوله النار بعد تلك

البشرى، وَهَبْ أن حُزنه بهذا الرابع خفيف؛ لاعتياده المصائب، فهل يزيد ذلك

على كونه لم تحدث له هذه المصيبة أصلًا؟ وكيف السبيل إلى إحباط ثواب ما

مضى من المصائب بهذه المصيبة الرابعة؟ هذا ما لا يتخيله ذو فَهْم، فإن فُرِض

أن الأربعة ماتوا دفعةً واحدةً، كموت نفس واحدة على خلاف ما أجرى الله

تعالى العادة، ترتّبت البشرى بعدم دخول النار على موت ثلاثة، ويثيب الله

تعالى على موت الرابع بما يشاء، وقد دخلت هذه الصورة في هذا الحديث؛

لكونه صَدَق أنه مات له ثلاثة من الولد، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015