وتعقّبه في "الفتح"، فقال: جزمه بأن عائشة لَمْ تَنْفِ الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه ابن خزيمة، فإنه قال في "كتاب التوحيد": النفي لا يوجب علمًا، ولم تَحْك عائشة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبرها أنه لَمْ يَرَ ربه، وإنما تأولت الآية. انتهى.
وهو عجيبٌ، فقد ثبت ذلك عنها في "صحيح مسلم" الذي شرحه الشيخ - يعني النوويّ - فعنده من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق في الطريق المذكورة، قال مسروق: وكنت متكئًا، فجلست، فقلت: ألم يقل الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}؟ قالت: أنا أول هذه الأمة، سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "إنما هو جبريل"، وأخرجه ابن مردويه، من طريق أخرى، عن داود بهذا الإسناد، فقالت: أنا أوَّلُ من سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا، فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ فقال: "لا، إنما رأيت جبريل، منهبطًا".
قال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: ومن قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - خاطبها - يعني عائشة - رضي الله عنها - على قدر عقلها، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه، كابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، فإنه هو المخطيّ، والله أعلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بهذا أن المحاولة في الردّ على عائشة - رضي الله عنها - بأنها لَمْ تسمع في هذا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا غير صحيحة؛ لأنَّها ما نفت إلَّا بما ثبت لديها، وسمعته من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، فبطل ما ذكره النوويّ وغيره من نفيهم سماعها منه - صلى الله عليه وسلم -، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: في هذه الآية - يعني {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} الآية - أقوال للسلف:
[أحدهما]: لا تدركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير ما طريق ثابت في "الصحاح"، و"المسانيد"، و"السنن"، كما قال مسروق، عن عائشة أنَّها قالت: "من زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أبصر ربه، فقد كذب"، وفي رواية: "على الله، فإن الله تعالى قال: