{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عَيّاش، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي الضُّحَي، عن مسروق، وغير واحد عن مسروق، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه. وخالفها ابن عباس، فعنه إطلاق الرؤية، وعنه: "رآه بفؤاده مرتين".
وقال ابن أبي حاتم: ذكر محمد بن مسلم، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّوْرقيّ، حدثنا يحيى بن معين، قال: سمعت إسماعيل ابن علية، يقول في قول الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: هذا في الدنيا، وذكر أبي عن هشام بن عبيد الله أنه قال نحو ذلك.
[وقال آخرون]: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وهذا مُخَصَّصٌ بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة.
[وقال آخرون] من المعتزلة بمقتضى ما فَهِمُوه من الآية: إنه لا يُرَى في الدنيا ولا في الآخرة، فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دَلَّ عليه كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما الكتاب فقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23]، وقال تعالى عن الكافرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15] قال الإمام الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فدَلَّ هذا على أن المؤمنين لا يُحجبون عنه تبارك وتعالى.
وأما السنة: فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس، وجَرِير، وصُهَيب، وبلال، وغير واحد من الصحابة - رضي الله عنهم -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، في العَرَصات، وفي رَوْضَات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنّه وكرمه آمين.
[وقيل]: المراد بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}: أي العقول، رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين، عن الفلاس، عن ابن مهديّ، عن أبي الحصين يحيى بن الحصين، قارئ أهل مكة، أنه قال ذلك.
وهذا غريبٌ جدًّا، وخلاف ظاهر الآية، وكأنه اعتَقَد أن الإدراك في معنى الرؤية، والله تعالى أعلم.
[وقال آخرون]: لا منافاة بين إثبات الرؤية، ونفي الإدراك، فإن الإدراك أخصّ من الرؤية، ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم، ثم اختَلَفَ هؤلاء