له في الأرض قبل الإسراء، والمرة التي وقعت له في السماء عند سدرة المنتهي، كما بيّنته الآية (رَأَيْتُهُ) وفي نسخة: "ورأيته" بالواو، والظاهر أن الأولى هي الصحيحة (مُنْهَبِطًا) أي حال كونه نازلًا (مِنَ السَّمَاء، سَادًّا) أي مغطّيًا (عِظَمُ خَلْقِهِ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ضُبط بوجهين: أحدهما بضمّ العين، وإسكان الظاء، والثاني بكسر العين، وفتح الظاء، وكلاهما صحيح. انتهى (?).

والمعنى: قد غطّى كبر ذاته (مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ") قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا هو في الأصول: "ما بين السماء إلى الأرض"، وهو صحيح. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذكر النوويّ صحّة هذا الوجه، ولم يُبيّن ما فيه من الإشكال، ووجهه أن لفظ "بين" يقتضي الدخول على متعدد، فتقول: جلست بين زيد وعمرو، ولا تقول: جلست بين زيد، فكيف قال: "ما بين السماء إلى الأرض"، مع أن القياس أن يقول: ما بين السماء والأرض؟ .

والجواب: أن في الكلام محذوفًا؟ لدلالة السياق عليه، تقديره: "في تحتها"، أي سادًّا عظم خلقه ما بين السماء، في تحتها إلى الأرض، وسيأتي نظير هذا في "الصلاة" (?) في حديث أبي بَرْزَة الأسلميّ - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة آية"، أي في فوقها إلى المائة، وسنتكلّم عليه هناك - إن شاء الله تعالى -.

وأشار في هامش نسخة محمد ذهني بلفظ: "ما بين السماء والأرض"، وهو واضح.

(فَقَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - محتجّةً على تأكيد ما نفته من رؤيته - صلى الله عليه وسلم - ربه ببصره (أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103]؟ ) قال النوويّ تبعًا لغيره: لَمْ تَنْفِ عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرته من ظاهر الآية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابيّ إذا قال قولًا، وخالفه غيره منهم، لَمْ يكن ذلك القول حجةًا تفاقًا، والمراد بالإدراك في الآية الإحاطة، وذلك لا ينافي الرؤية. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015