التي كانت بالبطحاء، وهي المذكورة في قوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 5 - 10]، قال: والدليل على أن المراد بذلك جبريل - عَلَيهِ السَّلَام -، والظاهر - والله أعلم - أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنه لَمْ يُذكر فيها إلَّا هذه الرؤية، وهي الأولي، وأما الثانية، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} [النجم: 13 - 16]، فتلك إنما ذُكرت في سورة النجم، وقد نزلت بعد الإسراء. انتهى كلام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال الألوسيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: {وَلَقَدْ رَآهُ} وأي وبالله تعالى لقد رأى صاحبُكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرسولَ الكريم جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - على كُرسيّ بين السماء والأرض بالصورة التي خلقه الله تعالى عليها، له ستمائة جناح {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق، كما روي عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، وسفيان، وفي رواية عن مجاهد: أنه - صلى الله عليه وسلم - رآه نحو جياد، وهو مشرق مكة، وقيل: المراد به مطلع رأس السرطان، فإنه أعلى المطالع لأهل مكة، وهذه الرؤية كانت فيما بعد أمر غار حراء، وحكى ابن شجرة: أنه أفق السماء الغربيّ، وليس بشيء، وأخرج الطبرانيّ، وابن مردويه عن ابن عبّاس أنه قال في الآية: رآه في صورته عند سدرة المنتهي، والأفق على هذا قيل: بمعنى الناحية، وقيل: سُمّي ذلك أفقًا مجازًا. انتهى كلام الألوسيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
({وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}) هذا أيضًا مما استدلّ به مسروق على رؤيته - صلى الله عليه وسلم - ربّه حيث ظنّ أيضًا أن الضمير لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، مع أن الصواب أنه لجبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -، كما بيّنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - لَمّا سألته عنه، كما أوضحه بقوله: (فَقَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأَمّة، سَأَل عَنْ ذَلِكَ) أي عن المعنى المراد بالآية (رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ) أي إن الذي أريد بالضمير في {رَآهُ} وهو جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - (لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ) بالبناء للمفعول، أي خلقه الله تعالى (عَلَيْهَا، غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ) أي المرة التي وقعت