ربه، وأخرج ابن خزيمة، عن عروة بن الزبير إثباتها، وكان يشتد عليه إذا ذُكِر له إنكار عائشة، وبه قال سائر أصحاب ابن عباس، وجَزَم به كعب الأحبار، والزهريّ، وصا حبه معمر، وآخرون، وهو قول الأشعريّ، وغالب أتباعه.
ثم اختلفوا هل رآه بعينه، أو بقلبه؟ وعن أحمد كالقولين.
قال الحافظ رحمه الله: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقةٌ، وأخرى مقيدةٌ، فيجب حمل مطلقها على مقيدها.
(فمن ذلك): ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح، وصححه الحاكم أيضًا، من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: "أتعجبون أن تكون الْخُلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد؟ "، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ: "إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة ... " الحديث، وأخرج ابن إسحاق، من طريق عبد الله بن أبي سلمة، أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس، هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه: أن نعم.
(ومنها): ما أخرجه مسلم من طريق أبي العالية، عن ابن عباس في قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال: رأى ربه بفؤاده مرتين.
وله من طريق عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.
وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضًا عن ابن عباس قال: لم يره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينه، إنما رآه بقلبه.
وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس، ونفي عائشة بأن يُحْمَل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد الحافظ رحمه الله في هذا الكلام في أمرين:
(الأول): أنه حقّق أن الذي ثبتٌ عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في إثباته الرؤية إنما هو رؤية القلب، لا رؤية البصر، فإنه لم يثبت عنه ذلك.
(الثاني): أنه يُجمع بين إثباته، وبين نفي عائشة - رضي الله عنهم - بأنه أثبت الرؤية