القلبيّة، وهي نفت الرؤية البصريّة، فلا تعارض بين مذهبيهما، ويؤيّد هذا ظاهر استدلالها في نفيها الرؤية بآية {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] الآية؛ لأنها ظاهرة في نفي إدراك البصر، ولا ينفي ذلك رؤية القلب، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم.

قال: ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالِمًا بالله تعالى على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه، كما تُخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يُشترط لها شيء مخصوص عقلًا، ولو جرت العادة بخلقها في العين.

وروى ابن خزيمة بإسناد قويّ عن أنس - رضي الله عنه - قال: رأى محمد ربه.

وعند مسلم من حديث أبي ذرّ أنه سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "نور أنَّى أراه؟ "، وفي رواية قال: "رأيت نورًا"، ولابن خزيمة عنه قال: "رآه بقلبه، ولم يره بعينه".

وبهذا يتبين مراد أبي ذرّ بذكره النورَ، أي: النورُ حال بين رؤيته له ببصره.

وقد رجح القرطبي في "المفهم" قول الوقف في هذه المسألة، وعزاه لجماعة من المحققين، وقوّاه بأنه ليس في الباب دليلٌ قاطعٌ، وغاية ما استُدِلّ به للطائفتين ظواهر متعارضة، قابلة للتأويل، قال: وليست المسألة من العمليات، فيُكْتَفَى فيها بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات، فلا يكتَفَى فيها إلا بالدليل القطعيّ (?).

وجَنَحَ ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" إلى ترجيح الإثبات، وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره، وحَمَلَ ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015