فقد تقرَّرت نصوص الشرع، وإجماع أهل السنة على إثبات عذاب بعض العُصَاة من الموحدين.
وَيَحْتَمِل أن يكون المراد بهذا خُصُوصًا من الأمة، أي: يُغْفَر لبعض الأمة المُقْحِماتُ، وهذا يَظْهَر على مذهب مَن يقول: إنّ لفظة "مَنْ" لا تقتضي العموم مطلقًا، وعلى مذهب من يقول: لا تقتضيه في الإخبار، وإن اقتضته في الأمر والنهي.
ويُمْكِن تصحيحه على المذهب المختار، وهو كونها للعموم مطلقًا؛ لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص، وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (?).
وقال السنديّ رحمه الله: ولعل المراد أن الله تعالى لا يؤاخذهم بكلّها، بل لا بدّ أن يَغفر لهم بعضها، وإن شاء غفر لهم كلّها، وقيل: المراد بالغفران أن لا يُخلَّد صاحبها في النار، أو المراد: الغفران لبعض الأمة، ولعله إن كان هناك تأويلٌ فما ذَكَرتُ أقربُ، وإلا فتفويض هذا الأمر إلى علمه تعالى أولى. انتهى كلام السنديّ رحمه الله.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأولى هو الذي تقدّم في كلام النوويّ رحمه اللهمن حمل "مَنْ" على الخصوص؛ للأدلّة المقتضية لذلك، ففيه الجمع بين النصوص دون تعارض.
والحاصل أن المراد بالأمّة بعضهم، فيغفر الله تعالى لبعض الأمة جميع ذنوبهم، صغائرها وكبائرها الموبقات ما عدا الشرك؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النساء: 48]، فبعض الأمة هم الذين شاء الله تعالى أن يَغفر لهم جميع ذنوبهم، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: أخرج هذا الحديث أبو نعيم في "مستخرجه" (1/ 239) من طُرُق، فوقع عنده بلفظ: "وغُفر لمن مات لا يُشرك به من أمته إلا المقحمات"، بزيادة "إلا" الاستثنائيّة، ونبّه عليه هو، والظاهر أن زيادة "إلا" غلطٌ؛ لأن رواية